كيف أضعنا عيد التحرير من خلال شراكة السلاح الداخلي والفساد

بقلم محمود شعيب – كاتب وناشط سياسي

في الخامس والعشرين من أيار، كان يُفترض أن يحتفل اللبنانيون بعيد التحرير، ذلك اليوم الذي شكّل لحظة تاريخية بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب دون قيد أو شرط في عام 2000. يوم وطني كان من المفترض أن يجسّد وحدة اللبنانيين حول مفهوم السيادة والحرية، لا أن يتحول إلى مناسبة فئوية تُستغل في سياق الصراع الداخلي وتكريس موازين قوى مختلّة.

لكن بدل أن يكون عيد التحرير محطة جامعة تُذكرنا بإمكانية الانتصار حين تتوحد الإرادات الوطنية، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى مناسبة رمزية في سياق شراكة قاتلة بين مشروعين متناقضين في الظاهر، متكاملين في المضمون: مشروع السلاح الخارج عن الدولة، ومشروع الفساد الذي دمّر مؤسساتها. شراكة تقوم على تبادل الغطاء: تغطية سياسية للسلاح مقابل غض طرف كامل عن منظومة فساد تنهب البلد باسم “الاستقرار” و”التفاهمات”.

هذه الشراكة هي التي صادرت إنجاز التحرير من وجدان اللبنانيين، وقزّمت معناه. فبدل أن يتحوّل النصر إلى نقطة انطلاق لبناء دولة حقيقية، استُخدم كذريعة لإدامة الاستثناء، وإبقاء السلاح وتكريس المحاصصة والفساد خارج إطار الدولة، تحت عنوان “الردع” و”الكرامة”، في حين كان المقابل واضحًا: حماية الطبقة الحاكمة من أي مساءلة قانونية، وشرعنة منظومة المحاصصة والتوظيف الزبائني والنهب المنظم.

وهكذا، جرى تفريغ عيد التحرير من مضمونه الوطني، واختُزل بجهة واحدة احتكرته لنفسها، وتحوّل إلى مناسبة احتفالية مغلقة لا تعني أغلبية اللبنانيين، بل تذكّرهم يومًا بعد يوم بأن ما تحقق في أيار 2000 لم يُترجم إلى مشروع وطني وتحرر سياسي واقتصادي.

الجنوب الذي تحرر قبل ربع قرن ما زال ينتظر التنمية، ومواطنوه ينتظرون دولة تحترمهم وتخدمهم وتحمي مصالحم. لا يزال الجنوبي، كما غيره من اللبنانيين، يعيش تحت سطوة الثنائية القاتلة: فائض القوة من جهة، وفائض الإفلاس من جهة ثانية.فائض الفشل و الفساد والزبائنية في أغلب بلدياته المحتلة ،في الجنوب، كما في الشمال والبقاع والجبل، بات واضحًا أن لا تحرير حقيقي في ظل تواطؤ الطبقة السياسية على المحاصصة وتقاسم النفوذ والسكوت عن كل التجاوزات.

الأسوأ أن عيد التحرير، بدل أن يكون مساحة جامعة، أصبح مصدر عزلة. الدولة غائبة عن المشهد، والمؤسسات الرسمية تتعامل مع المناسبة وكأنها ذكرى خاصة بحزب أو فريق، لا إنجاز وطني جامع. الأعلام الحزبية ترفرف بدل العلم اللبناني، والخطاب التعبوي يعلو على منطق الدولة، وكأن لا مكان لغير الخضوع لمن يمتلك السطوة ويدير اللعبة من خارج المؤسسات.

لقد خرج الاحتلال الإسرائيلي من الأرض، لكن بقي احتلال آخر يتحكم بمفاصل مؤسسات الدولة : احتلال البلديات ،الفساد، والاستقواء، والتسلط، والتغطيات المتبادلة.الإقصاء،التخوين،القمع،الفتن العائلية،لذلك لا يمكن لشعب أن يتحرر فعلًا إذا بقي محكومًا بهذه المعادلة الفاسدة (تحالف الميليشيا مع المافيا) التي تشل أي إمكانية لقيام دولة حقيقية عادلة.

التحرير الحقيقي لم يُنجز بعد. تحرير القرار، تحرير المؤسسات، تحرير العدالة، وتحرير المواطن من الخوف والتبعية. عيد التحرير يجب أن يعود عيدًا لكل اللبنانيين، لا مناسبة حزبية فئوية ضيقة،ولا أداة لتبرير شراكة الخراب والدمار.

فإذا كان التحرير الأول قد تحقق بالسلاح المقاوم الصادق ، فإن التحرير الثاني لا بد أن يتحقق بالناس. بالانتفاض على المعادلة الجائرة: لا سلاح داخلي متفلت فوق الدولة،لا بلديات محتلة ولا فساد محمي باسم المقاومة.

اخترنا لك