بقلم رفيق خوري
ليس أصعب على إيران من التخلي عن مشروعها الإقليمي سوى الإصرار على العمل له بعد التحولات في المنطقة وعودتها إلى المفاوضات مع أميركا. ولا شيء يوحي أن “حزب الله” وبقية الفصائل في “محور المقاومة” في وارد أي تعديل في الخطاب، كأن الضربات التي تلقاها المحور في الحرب مجرد حادث سيارة يعاد تصليحها ويعاود السائق مساره. وكل شيء يؤكد أن المهمة لم تكتمل، لا بالنسبة إلى إسرائيل وداعمها الأميركي، ولا بالنسبة إلى “محور المقاومة” وقائده الإيراني. لكن من الوهم الهرب من إدراك مفاعيل الهزيمة، بصرف النظر عن رفض الاعتراف بها، كما عن التسليم بالخروج من جنوب الليطاني. ومن الخطر على لبنان بما فيه “حزب الله” والبيئة الحاضنة له التصرف كأن السلاح لا يزال له دور في حماية البلد والناس، وكأن استخدامه ليس وصفة لإعادة البلد إلى العصر الحجري في عصر التوحش الإسرائيلي.
ذلك أن “حزب الله” يعلن الوقوف وراء الدولة، ولكن في رهان على عجزها عن دفع إسرائيل إلى الانسحاب وتلبية المطالب اللبنانية لاستعادة موقعه ودوره، كأن سلاحه لم يكن أقل عجزاً من الدبلوماسية عن ردع العدو وحماية لبنان من الدمار. وهو يتصرف، لا كحزب في بلد بل كقوة إقليمية تبدو كدولة في مفاوضات مع دولة. مفاوضات تحت عنوان الحوار، لا على سحب السلاح بل على تثبيت دوره كمصدر “قوة” للبنان. دولة قوية مسلحة مقابل دولة “ناعمة”. ودولة ممانعة مقابل دولة خاضعة للإملاءات الأميركية والسعودية. لا بل يبدو “حزب الله” كأنه أعار قرار الحرب والسلم للدولة لإثبات قدرتها على العمل بمقتضاه، مع الاستعداد لاستعادته إن عجزت عن ذلك. ولا يبدل في الأمر أن إسرائيل فرضت عليه الوقوف مكتوف اليدين، وهو يرى الغارات حتى على الضاحية، فلا يفعل سوى الضغط على السلطة وإحراجها واتهامها بالرخاوة مع أميركا. ولا أحد يجب أن يتجاهل حساسية سحب السلاح التي يوليها الرئيس جوزاف عون عنايته واهتمامه. غير أن دولة الفرصة الجديدة المفتوحة عربياً ودولياً مهددة بأن تمارس المراوحة في المكان، وربما الدوران حول السلاح الذي من دون إيجاد حل له، لا مساعدات، لا استثمارات، لا إعادة إعمار، لا بناء دولة، ولا فعالية للإصلاحات.
وحق الدولة في “احتكار السلاح” هو قرار متخذ حسب رئاستي الجمهورية والحكومة. فماذا لو صار القرار في الواقع مجرد شعار؟ وإذا كان الجيش قد تمكن بمساعدة “اليونيفيل” من تدمير 90 % من البنية التحتية العسكرية للمقاومة الإسلامية عبر التعامل مع خمسمئة موقع، فإن الوجه الآخر لهذا الإنجاز هو الحاجة إلى تعلم درس مهم جداً، لأن “حزب الله” أقام كل هذه البنية العسكرية في المنطقة المحكومة بتطبيق القرار 1701 منذ 2006، “منطقة عمليات اليونيفيل” والجيش. لعلنا في حاجة إلى التذكر وتذكير من يتصورون أنهم قوة إصلاح التاريخ وتغييره بسخرية، رينولد نايبور من أحلام “إدارة التاريخ”.