‏الإعمار بلون الميليشيا : العهد الجديد يعيد تدوير الانهيار

بقلم ‎نانسي اللقيس

في بلدٍ لم يخرج بعد من رماد انهياره، ولم تُجمع شظايا مرفئه، ولم يُعرف مصير أمواله المنهوبة، تأتي خطوة رئاسة الجمهورية بتعيين الوزير السابق علي حمية، القادم من حضن “حزب الله”، مستشارًا لشؤون إعادة الإعمار، لتثير جملة من التساؤلات العميقة حول هوية العهد الجديد وتوجهاته في ما تبقى من مشروع الدولة.

حمية، الذي شغل وزارة الأشغال العامة والنقل في حكومة نجيب ميقاتي، لم يكن يومًا خارج اللون السياسي الواضح. انتماؤه إلى محور “الممانعة” ليس تفصيلاً عابرًا، بل سِمة أساسية في مسيرته. وها هو اليوم يُستدعى إلى موقع استشاري بالغ الحساسية، يتصل مباشرة بأدق الملفات وأكثرها خطورة في مرحلة ما بعد الانهيار: ملف الإعمار.

تعيين شخصية محسوبة على حزب العقوبات والعزلة والسلاح في مهمة تتطلب ثقة المجتمع الدولي وانفتاحًا سياديًا، لا يُفهم إلا كترجمة لمنطق الاسترضاء وتوزيع الجوائز السياسية. فبدل أن يُقارب الإعمار كأولوية وطنية، يتم اختزاله إلى حصة في بازار النفوذ.

والمسألة هنا تتجاوز الشخص. لا يدور النقاش حول كفاءة علي حمية أو نزاهته الشخصية، بل حول النموذج الذي يمثّله، والسياق السياسي الذي أعاده إلى الواجهة، في لحظةٍ كان يُفترض أن تُكرّس لقطيعةٍ مع المرحلة السابقة، لا لإعادة إنتاجها.

إعادة إعمار لبنان، بهذا التعيين، تصبح أقرب إلى وهم. كيف تُبنى ثقة اللبنانيين والعالم بدولةٍ تستدعي من كانوا شركاء بشكل مباشر أو غير مباشر في انهيارها، ليشرفوا على إعادة ترميمها؟ وأي رسالة يُراد إيصالها سوى أن شيئًا لم يتغيّر، وأن الأدوات هي نفسها، كما الوجوه والولاءات؟

المشكلة ليست فقط في الخلفية السياسية للتعيين، بل في رمزيته: الدولة تواصل الخضوع لمنطق المحاصصة، لا لمنطق المؤسسات. والعهد الجديد، الذي اعتُبر فرصة لتصحيح المسار، يرسل إشارات معاكسة، تُعيد إنتاج أسباب الأزمة نفسها، وكأن الدروس مرّت عبثًا، فلم تُحفَظ، ولم تُعلّم أحدًا شيئًا.

في لحظة مفصلية، كان من الممكن أن تُمثّل بداية لمسار بناء، اختار أهل السلطة أن يُعيدوا رسم مشهد الانهيار بلون جديد، لكنه من القماشة ذاتها.

وهكذا، بدل أن يكون الإعمار فعل خلاص، يتحوّل إلى فصل إضافي في كتاب المحاصصة.

وما هكذا تُبنى الأوطان.

اخترنا لك