بقلم مروان الأمين
مرّت أشهر على انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ونيل حكومة الرئيس نواف سلام ثقة المجلس النيابي. لحظةٌ حملت آمالاً كبيرة بأن تبدأ البلاد صفحة جديدة، يعاد فيها الاعتبار لمؤسسات الدولة وكرامة المواطن. لكنّ الواقع والوقت بدّدا هذه الآمال.
على المستوى السيادي، لا تزال السلطة الرسمية تتحرك ضمن الهوامش التي رسمها «حزب الله»، دون تجاوز الخطوط التي حدّدها «الحزب» بعد الحرب. ولا تتوانى قيادة «حزب الله» عن المجاهرة برفض احتكار الدولة للسلاح. وكان إعلان النائب محمد رعد رفض إعطاء الدولة «امتياز احتكار السلاح» من المواقف الأكثر فظاظة، كونه حصل من على منبر القصر الجمهوري. وكأنّ السلطة والدستور والقانون باتت جميعها في جيبه، يوزعها على من يشاء، ومتى يشاء، وحيث يشاء، أو يحجبها وفق ما يشاء.
في هذا السياق، إذا كان المسؤولون يكتفون بالموقف السياسي لجهة احتكار الدولة للسلاح، وما زالوا عاجزين عن اتخاذ قرارات تنفيذية، لكن ماذا عن سلطة الدولة على أجهزتها الرسمية؟ ماذا عن نفوذ «حزب الله» داخل المخافر ومراكز الأجهزة الأمنية، بل وحتى في بعض مفاصل القضاء، لا سيّما في المناطق ذات الغالبية الشيعية؟ لماذا لا يزال المواطن الشيعي يشعر بأنّ الدولة عاجزة عن حمايته، وأنّ مؤسساتها الأمنية والقضائية ما زالت تعمل تحت سقف نفوذ «الحزب»؟
من جهة أخرى، لم يلمس المواطن تحسّناً في أداء القطاع العام. الإدارات الرسمية ما زالت تتعامل مع المواطنين كما كانت دائماً: تأخير، روتين وإذلال موارب. حتى الخدمات الأساسية التي بات الحديث عنها مستهلكاً – من كهرباء وماء إلى اتصالات – ما زالت أقرب إلى الحلم المؤجل. المواطن لا يشعر أنّ الدولة عادت، بل يشعر أنّها عادت لتذكّره بأنّها ما زالت غائبة كما كانت أصلاً.
اللافت أكثر، بعد مرور حوالى خمسة أشهر على بداية العهد، هو استمرار غياب هيبة الدولة في الشارع. حين تُرتكب المخالفات أمام أعين عناصر القوى الأمنية، فالمخالف لا يهاب، والعنصر الأمني لا يُبالي.
وفي مشهد سوريالي آخر، فتح الرئيس سلام الطريق أمام السراي الحكومي، وأزال العوائق الإسمنتية في خطوة أراد أن توحي بالانفتاح على الناس، بينما شركات «الڤاليه» ما زالت تفترش الأرصفة وتُمسك بالطرقات، تُخضع المارة وتتحكّم بسياراتهم، بلا أي خوف من محاسبة. هل يُعقل أنّ سلطة «الڤاليه باركينغ» في بيروت – وفي مدن أخرى – ما زالت أقوى من سلطة الدولة؟
هذه الأمثلة ليست سوى بعض من مئات الشواهد التي تعكس غياب أيّ تغيير فعلي يلامس حياة المواطن اليومية، سواء على مستوى استعادة السيادة، أو تحسين الخدمات، أو فرض سلطة القانون بشكلٍ فعّال.
مرور عدة أشهر على ما أطلق عليه تسمية «الانتقال إلى مرحلة جديدة»، ما زالت الدولة منسحبة من المساحات العامة وتحلّ محلها السلطات غير الرسمية: ميليشيات، زعامات محلية، شركات النافذين، شبكات مصالح.
كنا ننتظر أن تفرض الحكومة الجديدة إيقاعاً مختلفاً. أن يبدأ عهد الرئيس بتأكيد سيادة الدستور والقانون وتنفيذ القرارات الدولية. لكن يبدو أنّنا أمام مقولة «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أفعالك أستعجب».
البلد لا يحتاج فقط إلى من يملأ الكرسي الرئاسي أو يؤلف الحكومة. ما يحتاجه فعلاً هو قيام دولة حقيقية، تُعيد الاعتبار للدستور، تحتكر السلاح وتفرض سلطة القانون على الجميع بلا استثناء، وتحمي المواطن من كلّ أشكال التعسّف والانتهاك. دولة تستعيد دورها الطبيعي كضامن لحقوق الناس، لا كغائب عن يومياتهم.