بقلم د. علي خليفة
من أقلية مضطهدة في الشرق تواجه الحملات والتضييق، إلى مكوّن أساسي في دولة لبنان الكبير الذي أقرّ للشيعة، أسوة بباقي الطوائف، حقوقاً سياسية وثقافية في مجتمع متعدّد وتشاركيّ. وإذ بشيعة لبنان لا يبادلونه الودّ. فترحل عيونهم من وادي الحجير إلى ما وراء الحدود السياسية لدولتهم الناشئة، بعد قرار خاطئ اتّخذه زعماؤهم الروحيون ووجهاؤهم بالالتحاق بدمشق وكلّفهم قتلى ودماراً.
ومع ذلك، اهتمّ الانتداب الفرنسي وعهد الاستقلال ببناء المدارس والمرافق في الجنوب. بعض الشيعة تمسّك بالكتاتيب وبعضهم بالإرساليات الأجنبية بحدّة فانكفأت عن مناطقهم نتيجة موقفهم السلبي منها. فرضت الدولة التعلم بالمدارس الرسمية فرضاً على الشيعة وترك الكتاتيب، فارتفعت نسب التحاق الشيعة بالتعليم وانخفضت نسبة الأمية بينهم.
ولم يكن الشيعة طائفة من المحرومين، بل طائفة ناشئة في كيان سياسي ناشئ يواجه أسئلة التنمية والتخطيط والإدارة في ظروف إقليمية ودولية ضاغطة.
لم يكن لشيعة لبنان مشروع سياسي بديل. ما يشرح انخراطهم في تأسيس الأحزاب الوطنية، كحزب “الكتلة” وحزب “الوطنيين الأحرار”. ما يوحي بتبنيهم التدريجي لبنان كوطن نهائي.
ثم انزاحوا عن سياق مشروع الدولة وانحازوا للسلاح الفلسطيني الذي ما لبث أن توجهت أعقابه إلى صدورهم ومناطقهم، وخرّب الجرف الشيوعي نسيجهم الوطني والاجتماعي.
وعاد الشيعة إلى علاقات ما قبل مجتمع الدولة وعلى جثتها: فنشأت إمبراطورية حركة “أمل” على اقتصاد الحرب والخوات وتحويل الإدارات العامة إلى بسطات للبطيخ عالسكين. وأعلن نبيه بري نفسه نابليون الأول والثاني والثالث على برلمان الجمهورية بدور سياسي ملحق على وقع الترتيبات السورية – الإيرانية المستجدة. وبينما يلهو المحرومون القدامى بمغانم الدولة، بنى “حزب الله” دولته الموازية: مجتمع القتل للشيعة عادة، على توقيت الفرس وحاجات بسط نفوذهم، والاقتصاد الأسود لتبييض الأموال، ومدرسة العقيدة والأدلجة، وثقافة النمط الموجّه. وأعطى الشيعة “حزب الله” ما كان يجب أن يعطوه للدولة من ولاء والتزام. فتخاصموا مع العرب وباقي اللبنانيين، وتربّت بوجههم الأحقاد… في الوقت الذي تمّ إلقاؤهم في التهلكة واستُرخصت دماؤهم ومقدّراتهم.
اليوم ليس من مشروع واحد للمعارضة الشيعية بعد عقود من الإقصاء والتصفية… وبعد تجارب لمعارضين شيعة ومؤسسات شيعية لا تزال تجترّ مشاريع بأدوات قديمة وممارسات قادت إلى فشل متناسل. شيعة لبنان في شقاء متعدّد الأوجه: بين شيعة الخامنئي وفلول أحزاب الله وحركات “أمل”، وشيعة المغانم والأن – جي- أوز وشيعة فارس سعيد… يبقى مشروع التحرُّر الشيعي جسر العبور المتبقّي إلى مشروع الدولة.