بقلم خلود وتار قاسم
لا أحب أن أتفلسف على رؤوسكم هذا الصباح… لكن، كيف لي أن أُسكت هذا الصوت في داخلي، وأنا أرى إلى أين يُساق هذا العالم؟
كيف سيعيش أولادنا؟ وأولادهم؟
في ظل هذا الحصار الممنهج، وهذا الاستعباد المعاصر الذي يُحكم قبضته علينا من كل الجهات: عسكرية، سيبرانية، إعلامية، اقتصادية، نفسية…
أي مخلوقاتٍ هؤلاء الذين يُسقطون مجتمعاتٍ بإشارة، ويصنعون غيرها بقرار؟
مَن يملك حق الفناء والإنشاء؟ من يزرع الحروب، ويبيع السلام؟ من يُجند الجيوش، ويوظّف الخطابات، ويُعيد تشكيل الوعي الجمعي وفق ما يخدم مصالح شركاتٍ لا تعرف وطناً، وأباطرةٍ لا وجه لهم، فقط خزائنهم هي التي تتحدث!
أما الدول؟ فليست سوى ستائر سميكة، تُخبئ خلفها مصالح كبرى، بينما المواطن العادي يُسحَق بين فكي الطمع والجهل، ويُساق ببطء نحو عبوديةٍ لا يدرك حتى أنها عبودية.
أين ذهب الإنسان الذي كنّا نفتخر بقيمه؟
نفتّش اليوم عن الوفاء فنراه في الكلاب، وعن الذكاء الجماعي فنراه في الذئاب، وعن الغريزة الأمومية فنراها في القطط… لا لشيء، إلا لأن الفضائل غابت عن البشر وصرنا نمدح الحيوان لأن الإنسان تغيّر.
وأنا من هذا الجيل، جيل “ما قبل”، جيل نصفه في الماضي ونصفه يحاول أن يتأقلم مع ما يسمونه “حضارة” و”تكنولوجيا”… لا أفهمهم، ولا يفهمونني. نعيش على نفس الكوكب لكننا من زمنين مختلفين.
وما يؤلمني حقاً، هو أن أرى جيلاً جديداً يُساق كالقطيع باسم الحداثة، دون أن يعرف من يُسيّره، ولماذا.
لقد هزلت.
هزلت حين صار الظالم يُلبس عباءة المُخلّص، والمستعبد يُغني لعبوديته.
هزلت حين صرنا نخاف أن نفكر بصوتٍ عالٍ.
هزلت حين صار الإنسان شيئاً يُعاد تشكيله حسب السوق، لا حسب القيمة.
ولكن نعود ونضع ثقتنا بالله بأنه ليس من حال يدوم ولا بد للخير أن يربح في النهاية…