بقلم كوثر شيا
بين 3 و9 حزيران 2025، شهد لبنان أسبوعًا استثنائيًا في مسار إصلاح القطاع الزراعي، قاده وزير الزراعة الدكتور نزار هاني بسلسلة نشاطات نوعية تكاملت مع رؤية وطنية واضحة. هذه الخطوات، إذا تم تطبيقها بدقة، قادرة على إحداث تحوّل ملموس في الاقتصاد اللبناني، وتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة الريفية في فترة زمنية قصيرة.
بدأ الأسبوع بإطلاق مشروع دعم مباشر للمزارعين في المناطق المتضررة بالحرب، بدءًا من محافظة النبطية. المشروع ترافق مع خطة لتوسيع قاعدة بيانات سجل المزارعين، بهدف رفع عدد المسجّلين من 50 ألف إلى 100 ألف مزارع، ما يُعدّ خطوة محورية في تحقيق الشفافية والعدالة في توزيع الدعم.
على صعيد التعاون الدولي، عقد الوزير لقاءً مهمًا مع نائب رئيس الحكومة ووزير الصناعة في بيلاروسيا، ناقش فيه سبل نقل التكنولوجيا الصناعية وتوطين بعض المعدات الزراعية، ما قد يفتح المجال أمام استثمارات نوعية في لبنان.
في بيروت، أطلقت الوزارة بالتعاون مع نقابة المهندسين مؤتمر “الزراعة المتقدمة في لبنان”، الذي جمع أكثر من 200 مهندس ومزارع وباحث. شكّل المؤتمر محطة فكرية وعملية مهمة لعرض مشاريع ملموسة، من أبرزها تطوير التسويق الزراعي، والعقود التشاركية، وتفعيل دور التعاونيات.
وفي موازاة الاهتمام بالإنتاج، أولت الوزارة أهمية كبرى لسلامة الغذاء، حيث احتفلت باليوم العالمي لسلامة الغذاء بالشراكة مع وزير الصحة العامة في الجامعة اليسوعية، وتم خلال الحدث إطلاق “مرصد وطني لمراقبة تلوث الغذاء”، ما يشكّل خطوة عملية لمراقبة سلسلة الإنتاج من الحقل إلى المائدة.
كما شهد الأسبوع لقاءات تنسيقية جمعت الوزير هاني مع زملائه في وزارتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد، بهدف تنسيق البرامج المتعلقة بالحماية الاجتماعية والدعم الغذائي، وتكامل السياسات العامة.
في المختبرات المركزية في كفرشيما، تم تدشين تجهيزات حديثة لفحص الأدوية الزراعية وزيت الزيتون، بالشراكة مع النائب ميشال معوض وسفير هولندا، في خطوة تعزز جودة المنتجات اللبنانية وتسهّل دخولها إلى الأسواق العالمية.
كذلك، تم إطلاق تقرير وطني حول سلامة الغذاء بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، بحضور النائبة عناية عز الدين وعدد من شركاء الوزارة، وهو التقرير الأول من نوعه الذي يربط بين البيانات العلمية والتخطيط الحكومي.
وتوّج الأسبوع بمشاركات ميدانية، منها مهرجان الكرز في جياع الشرق بالشراكة مع وزير الصحة الدكتور ركان نصرالدين ، وزيارة ميدانية المقررة إلى البقاع الغربي وراشيا قريبا برفقة النائب وائل أبو فاعور، التي ستعكس التزامًا سياسيًا وشعبيًا بتنمية المناطق الزراعية.
كل هذه الأنشطة لم تكن منعزلة، بل مرتبطة بخطة وطنية شاملة ستُطلق رسميًا في تموز 2025، وتشكل امتدادًا للتوصيات التي صدرت عن مؤتمر “تطوير الزراعة في لبنان” الذي نظمته نقابة المهندسين. هذه الخطة العشرية تهدف إلى تنظيم القطاع الزراعي، وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع إنتاجية، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب.
إذا أردنا التقدم فعليًا، فإن هذا النوع من العمل المتكامل – ما بين السياسات، والبحث، والدعم المباشر، والمشاركة الشعبية – هو الطريق الوحيد الممكن لبناء اقتصاد لبناني منتج ومستدام.