بقلم كوثر شيا
في صباحٍ يوم الاحد ١٥ حزيران 2025، بدعوة من اليد الخضراء لعرض إنجازات Authentic Aley في قضاء عاليه. مشروعًا يُشكّل نقطة تحوّل في مسار التنمية الريفية في لبنان. مشروع “عاليه الأصلية”، الذي بدأ كفكرة بسيطة تحت سقف جمعية “اليد الخضراء”، تحوّل اليوم إلى نموذجٍ متكامل يجمع الأصالة بالابتكار، ويستند إلى شراكة ثلاثية الأطراف بين البلديات والمجتمع المحلي والداعمين الدوليين.
الفعالية التي حضرها أكثر من ٥٠٠ شخصية من رؤساء البلديات الـ22، وممثلين عن المجتمع المحلي، والنساء والشباب، وUNDP، شكّلت احتفالًا جماعيًا بنجاح رؤية جماعية بدأ العمل عليها منذ أربع خمس سنوات، فحملت ثمارها على شكل ورش عمل، فرص عمل، وكرامة إنتاجية لأبناء وبنات المنطقة.
رئيس بلدية عيناب، الأستاذ غازي الشعار، تحدّث بفخر عن الإنجاز الذي تم خلال 24 شهرًا فقط، نتيجة 55 جلسة تخطيطية شارك فيها الجميع من دون استثناء، مؤكدًا أن المشروع لم يكن قرارًا من فوق، بل “ابن الأرض وأهلها”. أما وجدي مراد، رئيس بلدية عاليه، فاعتبر المشروع تتويجًا لاستراتيجية وُضعت منذ العام 2019، جمعت 22 بلدية تحت مظلة واحدة، ساعية إلى تنمية مستدامة تحافظ على الهوية وتحاكي حاجات العصر.
من جهته، أكّد الاستاذ زاهر رضوان، مؤسس Authentic Aley ومنسّق المشروع العام، أن هذا الحلم الكبير هو ثمرة عمل جماعي شارك فيه الحرفيون، المزارعون، الشباب، النساء، والبلديات، تحت مظلة “اليد الخضراء”، قائلاً:
“نحن اليوم لا نتشاركها هذا المشروع الرائد وهذا المبنى ليكون مدماك الأساسي للخطة التي عملنا من اجلها خلال السنوات الماضية. بل نعلن انطلاق حركة تغيير لمسار إنمائي محض في قضاء عاليه الذي يُشكّل ثلث سكان لبنان، حركة تقول إننا نستطيع البناء من الداخل، من أرضنا، بأدواتنا، وبأيدينا.”
المشروع الذي يمتدّ على عدّة محاور بنيوية وتنموية، يضمّ 8 ورش حرفية متخصصة، معمل تعبئة وتغليف، قاعة عرض دائمة، ومكتبة تراثية، إضافة إلى برامج تدريبية مخصّصة تتجاوز 2000 ساعة عمل، استفاد منها أكثر من 150 حرفيًا و40 مزارعًا، مع عرض منتجاتهم على منصات تسويق عالمية مثل أمازون.
وفي كلمة لافتة، أوضحت لارا الديب، منسقة البرامج التنموية، أن “عاليه الأصلية” ليست فقط مبادرة اقتصادية، بل مساحة تمكين حقيقية، تعيد الاعتبار لجهود النساء والشباب، وتستنهض الموارد المحلية كطريق نحو السيادة المجتمعية.
أما توفيق الشعار، المشرف التنفيذي، فاستعرض المحاور الخمسة التي تم إنجازها: المركز الحرفي، المطبخ المركزي، المشتل البيئي، منصة التصدير، وبرنامج التدريب المهني، مشددًا على الترابط العميق بين هذه العناصر في تحقيق رؤية مكتملة.
الرؤية المستقبلية للمشروع بين عامي 2024 و2026 لا تقل طموحًا عن بداياته، حيث تشمل: التوسّع إلى 10 قرى جديدة، إنشاء 3 مراكز فرعية، تدريب 500 حرفي إضافي، مضاعفة المنتجات القابلة للتصدير، وفتح أسواق جديدة في أوروبا والخليج، بالإضافة إلى زراعة 10,000 شجرة حرجية واعتماد الطاقة الشمسية، بما يكرّس المشروع كنموذج بيئي بامتياز.
في ظلّ الانهيار الاقتصادي والتحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه لبنان، يُعيد مشروع “عاليه الأصلية” الأمل إلى الواجهة، ويقدّم للعالم نموذجًا حيًا عن قدرة المجتمعات المحلية على إنتاج التغيير الحقيقي من الداخل، حين تتضافر الإرادات تحت راية مشتركة.
هذا المشروع ليس فقط مركزًا للحِرَف، بل مرآة لقيم الانتماء، والكرامة، والعمل الجماعي، وهو بذلك يضع قضاء عاليه في صدارة المشهد التنموي، ويبعث برسالة مفادها أن التنمية ليست شعارًا… بل مشروع حياة.