بقلم غادة المرّ
حين تبكي ، و تنزف طهران …تفقد علمائها وقادتها وصواريخها… حين تُشلّ أذرعها وتفقد برنامجها النوويّ، حين تُضرب في القلب وتنزف حتى التلاشي والانهيار .
حين توقع شروط الاستسلام والخضوع كي لا تنزف حتى الموت وتجرّد من مخالبها واسنانها ، حين تلتقط اذرعها وتجلس في الزاوية تلملم جراحها وتصمت، بعد ان كانت سيدة القصر في الشرق تصبح الجارية في مطبخ شرق جديد، تاق للتخلص من بطشها ونفوذها وسطوتها وجرائمها وظلمها وتعسف قادتها و رؤسائها، ما جعل الكثير من الشعوب تهلل وتصفّق للطائرات الاسرائيلية حيت تضرب وتتمنى أن يجلدها سوط العدالة والحرية والانتقام من شرورها على مدى اربعين عاماً من قبضة حديديَة دامية ، خنقت معارضيها وسطت على حرية شعوب،و امسكت بخناق يومياتهم في سجون واغتيالات وبطش وقتل وتهجير،وجوع، وفساد وقهر لا يطاق.
إنتهى الصّمت واهتزّت المعادلة، فبعد البيجر اللّبنانيّ،اتت شبكة العنكبوت الأوكرانيّة-الروسيّة، ثمّ برزت عملية الأسد الصّاعد. فعلتها اسرائيل ودول الغرب واميركا …نحو شرق أوسط جديد.
هي من أكثر الضربات الاستخباراتيّة تعقيداً خلال العقد الأخير. هجوم غيّر قواعد الاشتباك الى الأبد.
ساذج من لا يعترف بتعاون اسرائيليّ – ومعارضة ايرانية. وقد يفضي الهجوم الاخير لعودة عائلة الشاه واستلام دفَة الحكم هناك.
ولعلّ السؤال الأكثر إلحاحاً، هو ، كيف تمكّن الموساد من فعل ذلك، كيف تمكن من تهريب مئات الطّائرات المسيّرة والمفخخة إلى قلب طهران؟
العمليّة معقّدة، جرت عبر حقائب سفر،شاحنات وحاويات شحن، استمرّت لأشهر.فرق صغيرة للموساد، تمركزت قرب مواقع دفاع جويّ، ومنصّات صواريخ إيرانيّة. مع بدء الضَربات الاسرائيليّة، دمرّت بعض الفرق، الدّفاعات الجوّية،فيما استهدفت أخرى، منصّات الإطلاق.
الهدف كان شلّ قدرة طهران على الدّفاع والرّد. فالعملية بدأ التخطيط لها ، منذ سنوات عديدة. تمّ تهريب الذخائر، عبر شركاء تجاريين غير مدركين لطبيعة العمليّة. دُرّبت الفرق الميدانيَة في دولة ثالثة قبل إدخالها الى إيران.
هذه العملية أثّرت نفسيّاً على معنويات القياديين،فلا أحد هناك، يمكنه الشّعور بالامان او ان يكون بمنىً من الاستهداف والخرق الاستخباراتي، و فقدان الثقة بالاشخاص المحيطين به، بسبب تجنيد العملاء في مختلف المراكز والمناصب.
الهدف هو تدمير تهديدين،النوويّ والصواريخ، وتغير النّظام الّذي سيكون حتميّاً بعد العمليّة.
هذه هي الفصول الأخيرة لرسم شرق اوسط جديد، الّذي خطط له الغرب منذ عقد ونيف، وعملوا بالخفاء على تحقيقه.
فالهجمات على ايران،قلب النّظام في سوريا وخلع حكم الأسد.ضرب اليمن والقضاء على قدرة حزب الله ، قياديّه،كوادره،انفاقه ومخازن اسلحته وصواريخه وشل قدراته على المواجهة ومحاصرته وتسليم سلاحه.
ناهيك عن تصفية كوادر حماس وتهجير السكان وحرب غزة وتداعياتها، جميعها تندرج تحت شعار رسم خارطة شرق جديد.
لماذا نجحت العملية وفوجئ العالم والنّظام الايرانيَ؟
لا شك أن عنصر التخطيط وعنصر المفاجأة ساهما بنجاحها، كذلك تهيئة الأجواء السّياسيّة بافتعال خلافات وهمية تُسرّب الى الاعلام ،سواء في الدّاخل الاسرائيليّ،أو مع الولايات المتّحدة، وبإيصال معلومات خاطئة للعدو.
الموساد يسرح في كلّ ايران، مهمتهم كانت في تنفيذ سلسلة من المهمّات الخطيرة والسّريّة، تدمير مواقع الصَواريخ الاستراتجيّة وقدرتها الدفاعيّة الجويّة.
وقد انقسمت الى ثلاث عمليّات مختلفة:
١-العمليّة الأولى: نشر انظمة دقيقة التوجيه في مناطق مفتوحة بالقرب من صواريخ أرض-جو إيرانية ، وسط البلاد.ومع بدء الهجوم الاسرائيليّ، تمّ تفعيل هذه الأنظمة وإطلاق الصّواريخ مباشرة على الأهداف، دفعة واحدة وبدقة عالية.
٢-العمليّة الثانية: نشر أنظمة وتقنيَات هجوميَة، دمّرت أنظمة الدّفاعِ الايرانية مع بدء الهجوم الاسرائيليّ.
٣-العمليّة الثالثة: أنشأ الموساد وسط ايران، قاعدة طائرات مسيّرات متفجّرة، وخلال الهجوم الاسرائيلي، تمّ اطلاقها على الاهداف مباشرة.
ما ساهم في نجاح العملية هو عنصر المباغتة والسَرية التّامة…
لم تكشف الطّائرات والسبب يعود لجراحة هندسية معقَدة، فتعديل خفيّ على طائرات F35 ، مكَن من ضرب ايران دون انذار. فاسرائيل لم تزود الطائرات بالوقود جوّاً، كما لم تهبط الطائرات للتزوّد بالوقود في أيّ دولة وتفادت رصدها بالرادارات، حيث أقلعت وعادت بشكل مستقل وخفيّ .
السّر كان تعديلًا دقيقاً بخزّانات الوقود، ما اتاح للطائرات حمل وقود إضافيّ، فلا الرادارات التقطتها ولا الأشعة تحت الحمراء رصدتها. كما إنّ التغير نفّذ بمهارة ومباشرة على جسم الطَائرة. ما أفضى لنجاح الهجوم .
فشل جهاز المخابرات الإيرانيّة في كشف شبكة الموساد الَتي اخترقت النّظام. وقد عمد الموساد على مسح كلّ الأدلّة خلفه.
والفضيحة، أن معظم الطائرات الحربيّة الايرانيّة من دون وقود، وشبكات الموساد والمجنّدين يعملون من الدّاخل، ناهيك عن أنّ المسيَرات تنطلق من الدّاخل الإيرانيّ لتدّمرها الواحدة تلوى الأخرى.
ومنذ الساعات الأولى لانطلاق العمليات، تمّ اغتيال قائد الحرس الثوريّ، وكافة قياديّ الصَف الأول العسكريّن. ثم استهدفوا قياديّ الصّف الثاني . وترك البلد لمصيره بعد بدء فرار قيادي الصّف الثالث وعائلاتهم الى روسيا .
وقد تم تصفية اكثر من ١٤ عالمٍ نوويٍّ ايرانيٍّ، استهدفوا ، في غرف نومهم او بسيّارات مفخخة. وقد دمّرت اسرائيل مطارات ومراكز ومصانع للمسيَرات والاسلحة والصَواريخ ومخازن السلاح، ودمّرت مفاعل اصفهان، والذي بدونه لا يمكن الوصول الى سلاح نوويّ ، وقد استعملت قنابل MPR 500 ، والقادرة على اختراق مترين من الخرسانة، وهي الأشدّ في الترسانة الإسرائيليّة.
وحالياً، هناك هروب جماعيّ للمدنيين من طهران في اليوم الثالث للهجوم نحو العراق. فاسرائيل لديها شبكات اختراق بشريَة وتقنيَة داخل إيران ، قامت بتسهيل حركتها وتزويدها بمعلومات دقيقة ، وعلى مدى ثلاثة أيام، استهدفت اسرائيل مناطق واسعة في ايران،فدمّرت موانئ ومطارات ومراكز عسكريّة،وبنى تحتيَة وغيرها.
كما بدأت تتسرب للعلن انشقاقات في الجيش وتمرّد على القادة والتعامل مع الموساد سراً.
لاشك ان ايران استوعبت الصدمة، وعمدت في اليومين الأخيرين الى الردّ باستهداف حيفا وتل ابيب وغيرها بصواريخ فرط صوتيَة، الحقت أضراراً جسيمة في المباني وخلّفت قتلى وجرحى مدنيين .
ما زالت الاستهدافات متبادلة بين الطّرفين.
العالم يحبس انفاسه كي لا تتحول الحرب الى حرب اقليمية او عالمية. او حتَى نووية.
وقد ادى الهجوم لوقف المفاوضات المباشرة التي كانت جارية قبل الضربة، بسبب رفض ايران التّخلَي عن برنامجها النوويَ تخصيب اليورانيوم.فالولايات المتحدة الاميركية ترغب بعودة المفاوضات بين الطَرفين سريعاً، كذلك الروس ابلغوا الخامنئي بضرورة العودة الى طاولة المفاوضات، لأنّ النظام بخطر.ولكن الشروط الاميركية المذلَة ، تحول دون التوصل لاتفاق سريع.
واسرائيل لن تخرج من ايران ولن توقف حربها قبل القضاء على برنامج طهران النوويَ وتدمير صواريخها البعيدة المدى. وهي تدفع لجهة المشاركة بفعالية اكثر من حلفائها الغربيين والعرب.
وقد طلبت اسرائيل من الرئيس ترامب ان يتولّى الجيش الأميركيّ السيطرة وتدمير منشأة فورد. وهي منشأة نوويّة على عمق ٨٠٠ متر .
فاسرائيل غير قادرة على حسم امر هذه المنشأة بمفردها. فهي تحتاج مساندة اميركية وصواريخ خارقة للتحصينات العميقة وضمان عدم تسرّب الاشعاعات النووية.
حين كان لايران شاه كان الوضع مختلفاً وكان الشرق ينعم بسلام ورقي وحضارة ، فهل نشهد عودة ابن الشاه وفجراً جديداً لطهران نحو مستقبل مشرقٍ من الحضارة والسلام والثقافة؟
لننتظر ما ستكتبه الأيام بحبر الدّم والنّار لهذا الصَراع الدامٍ، ولعلّ التاريخ لا ينتظر أحداً . فلنصلّي للحريّة ،للتغير والسلام في شرقنا المنكوب هذا، وفي العالم كلّه.