بقلم سعيد مالك
ضجّت مواقع التواصل مُنتصف الأسبوع المُنصرم، بِخَبَر توقيف معالي وزير الاقتصاد السابق على خلفيّة جرائم تزوير وإبرام عقود مشبوهة وتصرُّف بأموال عامة خلافاً للقانون… كذا… انقسم المراقبون حول دستورية هذا الإجراء وقانونيّته.
مِنهُم مَن رأى أنّ الجرائم التي يرتكبها الوزير أثناء أو بمناسبة تولّيه الوزارة مشمولة باحكام المادة/70/ من الدستور. بحيث صدرت عدّة قرارات قضائية مؤيّدة لهذا التوجُّه بين عامّي/1989/ و/1996/ وتناولت ثلاثة ملفّات تتعلّق بوزراء سابقين “الوزير جوزف الهاشم” “الوزير جميل كبّي” “الوزير عادل قرطاس”.
حيث اعتبرت كافة هذه القرارات، أنّ الأعمال الجُرميّة المنسوبة إلى الوزير السابق على فرض ثبوتها، تكون قد ارتُكبت أثناء قيام هذا الوزير بوظيفته الوزارية أو بمناسبة ذلك. وبالتالي هي من صلاحية مجلس النواب حصرًا عملًا بأحكام المادة /70/ من الدستور. ولا صلاحية للقضاء العادي للمُلاحقة أم المُحاكمة.
ومِنهُم مَن رأى أنّ صلاحية مجلس النواب لاتّهام الوزراء، صلاحية مُمكنة ولكن غير حصرية وغير مُلزمة، وباستطاعة القضاء العادي المُلاحقة والمُحاكمة. وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز (الغرفة الثالثة) في قرارها تاريخ 24/3/1999 في قضيّة “الوزير السابق شاهي برصوميان”.
حيث اعتبرت أنّ الجرائم المنسوبة إلى الوزير المذكور (والمنصوص عنها في المواد /457/ و/360/ و/363/ من قانون العقوبات اللبناني) تدخل ضمن فئة الجرائم المُخلّة بالواجبات المُترتّبة على الوزير. لكّن الصلاحية والمُعطاة إلى مجلس النواب بمُقتضى المادة /70/ من الدستور ليست إلزامية وحصرية، إنّما صلاحية مُمكنة. وبحال استعملها المجلس النيابي فإنّها تُحجَب عن القضاء العادي. أمّا وبحال لم يستعملها مجلس النواب، فإنّه يعود للقضاء العادي الحّق والصلاحية والصِفة لمُباشرة الدعوى العامة ومُتابعتها.
وبقي هذا التجاذُب قائمًا، حتى لفظت الهيئة العامة لمحكمة التمييز قرارها المبدئي بتاريخ 27/10/2000 في قضية “الوزير السابق فؤاد السنيورة”.
رأت الهيئة العامة لمحكمة التمييز أنّ المادة /70/ من الدستور فرّقت بين فئتين من الأفعال. فئة تنتج عن إخلال الوزير بالواجبات المُترتّبة عليه، ويعود أمر المُلاحقة بشأنها إلى مجلس النواب حصرًا. وفئة تُعتبر جرائم عاديّة تبقى المُلاحقة بشأنها للمحاكم العادية حصرًا. ووضعت الهيئة العامة لمحكمة التمييز معيارًا لِبيان الأفعال والتي تُعتبر إخلالاً بالواجبات، والأُخرى والتي تُعتبر جرائم عادية.
وقالت إنّ الأفعال والتي تُعتبر إخلالاً بالواجبات هي الأفعال الداخلة ضمن صلاحية الوزير المتعلّقة مُباشرةً بممارسة مهامه الوزارية. أي الأفعال التي تتطلّبها ممارسة الوزير لواجباته. أمّا الأفعال الجُرمية والمُرتكبة من الوزير في معرض ممارسته لمهامه، والتي يرتكبها الوزير بنيّة استغلال السلطة لإحلال مصلحته الخاصة محلّ المصلحة العامة، فتُعتبر جرائم عادية ومن صلاحية القضاء العادي مُلاحقتها قانونًا.
مِن هُنا السؤال؟
هل الأفعال الجُرميّة والمنسوبة إلى الوزير السابق “أمين سلام” تُعتبر داخلة ضمن صلاحية الوزير ومُتّصلة مُباشرةً بممارسة مهامه. أم ارتُكِبَت بقصد استغلال السلطة وتحقيقاً لمصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة؟
وهل أنّ مُلاحقة معالي الوزير بجرائم التزوير وإبرام عقود مشبوهة والتصرُّف بأموال عامة خلافاً للقانون. فضلاً عن الاختلاس والإثراء غير المشروع وابتزاز شركات تأمين و…كذا مِن الأفعال، تدخل ضمن ممارسة الوزير لمهامه؟
أم تُشكّل استغلالاً للسُلطة وتحقيقاً لمصالح خاصة عوض المصلحة العامة؟
فلنترُك للقضاء أن يُقرّر. شرط أن لا تكون المُلاحقة استنسابية، ولا تطال إلاّ مَن يفتقد الدعم والمظلّة. فالمواطن ينظُر إلى الرؤوس الكبيرة التي باعت الوطن وسرقت أموال المودعين ونهبت مجتمعاً بكامله. فمتى سنرى هؤلاء خلف القُضبان وتحت قوس العدالة. مع الأمل أن نشهد يومًا على هذا الحدث. مُردّدين مع ” الطفرائي”:
” أُعلِّلُ النَفْسَ بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العَيٍشَ لولا فُسحةُ الأملِ”.