ردًا على جريدة الأخبار : التخوين ليس حرية رأي

بقلم نانسي اللقيس

في زمن تصادمت فيه معايير الصحافة الحرة مع أجندات التعبئة، لم يعد مستغربًا أن تتحوّل بعض المنابر إلى أدوات تشويه واستهداف ممنهج، بدلًا من أن تكون مساحة للنقاش والتعددية.

ما نشرته جريدة “الأخبار” مؤخرًا، تحت عنوان يلمّح إلى “التحريض” و”الانعزال”، لا يعبّر إلا عن ذهنية إقصائية تسعى إلى قمع كل صوت يخرج عن المسار المرسوم سلفًا، وخصوصًا عندما يكون هذا الصوت إعلاميًا حرًّا، يحاكي الواقع اللبناني كما هو، لا كما تريده قوى الأمر الواقع.

من هنا، يأتي هذا الرد دفاعًا عن حرية التعبير، ورفضًا لمحاولات التخوين والتضليل، وتوضيحًا للرأي العام بأن الاختلاف في الرأي لا يعني خيانة، بل هو جوهر الديمقراطية الغائبة.

ردّ على مقال: “بين الرأي والتحريض… شعرة”

حين تصبح حرية التعبير “غرغرينا”، ويُتهم الإعلامي بكونه عرّاب فتنة فقط لأنه تجرأ على قول ما لا يجرؤ عليه غيره، نعرف أننا أمام سلطة لا تطيق المرآة… بل تفضل كسرها.

تصوير تصريحات الإعلامي وليد عبود على أنها “تحريض طائفي”، في حين أنها لم تخرج عن إطار نقاش سياسي علني وواقعي، هو ترويج للوصاية الفكرية، ومحاولة لوأد أي خطاب خارج المنظومة المتحالفة مع مشروع “المقاومة المطلقة”، التي لا تقبل المراجعة أو المحاسبة.

إذا كان “مع وليد عبود” قد كشف عن تناقضات الواقع اللبناني، فهذا يُحسب له لا عليه. من يطالب بإسكات عبود هو نفسه من ينادي بحرية الرأي في بياناته المتلفزة، ثم يرتبك أمام أول رأي لا يعجبه.

أما “تلفزيون لبنان”، فإن قراره بتأجيل الحلقة تحت ذريعة “تغطية الحرب”، مترافقًا مع ضغط سياسي وإعلامي، يكشف عن هشاشة المؤسسة التي يُفترض بها أن تمثل التنوع لا أن تخضع للإملاء.

والأخطر أن بعض الأقلام التي تدّعي الدفاع عن القيم الوطنية، تحوّلت إلى أدوات شيطنة وتشويه، تخدم أجندات سياسية وطائفية واضحة، وتسعى إلى إسكات كل صوت مخالف، تحت عباءة “تحريض يُعاقب عليه القانون”.

المقال نفسه هو تحريض، لا يحمل أدنى درجات المهنية، ويستعمل لغة الإلغاء والتكفير السياسي، في وقت نحتاج فيه إلى إعلام يعكس التعددية لا يُكرّس أحادية الصوت والموقف.

في النهاية، من يريد فعلاً حماية الإعلام الرسمي، يبدأ بحمايته من تدخل الأحزاب، لا من الإعلاميين.

اخترنا لك