بقلم ماهر أبو شقرا
@MShackra
حتى الآن، تتعامل قيادة حزب الله بواقعية مع الحرب الإسرائيلية على إيران. فالموقف السياسي شيء، والانجرار إلى الحرب شيء آخر. أمّا المجتمع اللبناني فهو متّفق على أنّ لبنان، رغم قلّة الإمكانيات، قد قدّم ما يكفي وخسر خيرة شبابه دفاعاً عن الجميع، وأوّلهم إيران. وقد حان وقت البناء والنموّ والتقدّم.
وعلى ضفاف تلك الواقعية تنتشر ترّهات بعض هواة المعارك الدونكيشوتيّة على وسائل التواصل الاجتماعي بوجه طواحين الهواء. وهي على كلّ حال معارك نابعة من شعور عميق باليأس إلى حدّ الارتماء في حضن الأوهام، والتمسّك بأي خشبة تبدو وكأنّها خشبة خلاص، وإلى حدّ الحكم على الأحداث انطلاقاً من الـwishful thinking وليس من الواقع.
إنّ إسرائيل لا يمكن أن تقبل بوجود لبنان قويّ ومزدهر، وقادر على لعب دور اقتصادي وسياسي مهمّ إقليميّاً. وإطلاق يدها بهذا الشكل في الإقليم، تعيث فيه خراباً وضرباً من دون حسيب أو رقيب، هو أمر فظيع وخطير. غير أنّنا نريد أن نكون قادرين على خوض مواجهة جدّية مع إسرائيل، وليس مواجهة يائسة انتحارية متخبّطة وسط الشوك، نابعة من شعور بالعجز وفقدان الأمل. والمواجهة الجدّية شرطها مجتمع موحّد ومتمسّك بالأرض، ودولة قادرة على حمايته ورعايته، واقتصاد مزدهر، وسلوك طريق التحرّر الفكري والتقدّم العلمي.
لقد علّمتنا التجارب الأليمة أن لا ضمانة لنا في هذا العالم القاسي إلا حماية وحدة مجتمعنا ولملمة قوّتنا الذاتيّة وبناء تحالفات استراتيجيّة. أن نكون أمّة تسعى لتحقيق مصالحها وليس جماعات طائفيّة تعمل لمصلحة زعماء الطوائف. والأمّة اللبنانية حقيقة وليست وهماً.
غير أنّ هذه الأمّة تحتاج إلى إعادة بناء لبنان وإعادة تأسيس نظامه. أي تحويل لبنان من كيان يديره زعماء الجماعات الطائفيّة إلى جمهورية لامركزية اجتماعية. جمهوريّة تتمتّع مناطقها بالحقّ في إدارة شؤونها، ودولة تحمي أفراد المجتمع وتؤمّن لهم الرعاية، وتحرص على بقائهم في الأرض بدلاً من تهجيرهم في أصقاع العالم.
إن تحقيق هذا المشروع يتطلب أولاً الإقرار بأن التحدي الأكبر ليس في مواجهة العدو الخارجي فحسب، بل في تغيير النظام السياسي الذي يحوّل الأرض والمجتمع والدولة إلى غنائم بين زعماء الجماعات الطائفيّة. فالدولة القوية والقادرة والعادلة لا تُبنى بالخطابات الرنّانة والبرامج المرتّبة من دون إمكانيّة تطبيقها.
إنّما الدولة التي نريد تبنى بإرادة التغيير الجاد، وبالتضحيات التي تُقدّم على مذبح الإصلاح الجذري والشامل وليس على مذبح المحاصصة. لتحقيق هذا الهدف لا بدّ من تحرير مؤسسات الدولة من الأحزاب الطائفيّة التي تهدّد وحدة المجتمع والأرض، وبنية الدولة، ووجود الكيان السياسي الذي اسمه لبنان.