قراءة استراتيجية
–
بقلم د. غولشان يوسف صغلام
@gulshansaglam
على مدار العقود الماضية، شكّلت إيران محور الاهتمام الإسرائيلي في الشرق الأوسط، حيث سعت تل أبيب إلى تقويض نفوذها الإقليمي ومحاصرة تحالفات المقاومة التي تدعمها.
ومع تصاعد التحديات وتغير موازين القوى في المنطقة، باتت إسرائيل تعيد رسم استراتيجياتها لتتجاوز مرحلة التنافس مع إيران فقط، وتتوجه نحو إعادة تشكيل النظام الإقليمي من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الهادفة إلى تعزيز نفوذها وبسط هيمنتها بطريقة أكثر شمولية.
تتجلى هذه الأهداف في إعادة هندسة القضية الفلسطينية، استهداف الأردن كمكون سياسي وديموغرافي مؤثر، مواجهة صعود القوة التركية، تقويض القدرات النووية الباكستانية، وبناء نظام إقليمي جديد تهيمن عليه من خلال تحالفات اقتصادية وأمنية.
إن هذه الرؤية الاستراتيجية تعكس تحوّلاً جذريًا في مقاربة إسرائيل للأمن الإقليمي، مع اعتماد أدوات جديدة تتعدى القوة العسكرية لتشمل التحالفات الدبلوماسية، التأثير الاقتصادي، والحرب الإعلامية.
رغم ذلك، لا تخلو هذه الخطط من تحديات جوهرية، حيث تواجه إسرائيل مقاومة محلية وإقليمية، فضلاً عن عوامل دولية متغيرة قد تفرض عليها مراجعات مستمرة في سياساتها.
1. إعادة هندسة القضية الفلسطينية ومشروع سيناء:
تسعى إسرائيل إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا عبر تغيير التركيبة الجغرافية والديموغرافية لقطاع غزة، إذ يتم العمل على دفع سكانه نحو شبه جزيرة سيناء من خلال عمليات عسكرية، الحصار، وخلق أزمات إنسانية تدفع الأهالي إلى الهجرة القسرية. الهدف الاستراتيجي من هذا المشروع هو تحييد قطاع غزة ورفع مستوى أمن إسرائيل. في حين ترفض مصر هذا المشروع رسميًا، إلا أن بعض القوى الغربية والإسرائيلية لا تزال تناقش هذا السيناريو، خاصة في سياق مشاريع “إعادة الإعمار” التي قد ترتبط بنقل سكاني غير مباشر.
2. استخدام الأردن كـ “وطن بديل” والتلاعب السياسي الإقليمي:
تعمل إسرائيل على زيادة الاستيطان في الضفة الغربية وتضييق الخناق على السلطة الفلسطينية، مع إبقاء خيار الأردن كـ “وطن بديل” قائمًا. وتعمل عبر وسائل متعددة على التأثير في التوازنات الديموغرافية والسياسية في الأردن، خصوصًا عبر التحكم في موارد المياه، الحدود، والوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعديل الواقع الديموغرافي لصالح إسرائيل وإدامة حالة الجمود في القضية الفلسطينية.
3. الحد من القوة العسكرية والسياسية التركية:
ترى إسرائيل في التوسع التركي في المنطقة، خاصة من خلال الدعم المعلن لقضايا القدس وغزة، ونشاط تركيا في شرق المتوسط والقرن الإفريقي، تهديدًا متزايدًا. ولذلك، تعمل على تشكيل تحالفات مضادة تشمل اليونان، قبرص، وأحيانًا مصر، إلى جانب استخدام الإعلام والدبلوماسية لمواجهة النفوذ التركي. رغم عضوية تركيا في حلف الناتو، فإن إسرائيل تستغل ثغرات في التحالفات الإقليمية للحد من الدور التركي.
4. إضعاف البرنامج النووي الباكستاني والديناميات الأمنية الإقليمية:
يشكل البرنامج النووي الباكستاني مصدر قلق دائم لإسرائيل، لا سيما احتمال انتقال التكنولوجيا النووية إلى جهات معادية. وعليه، تنسق تل أبيب بشكل وثيق مع الهند، حيث تبني تحالفات استخباراتية واستراتيجية تهدف إلى كبح القدرات العسكرية الباكستانية وتحجيم نفوذها في المنطقة.
5. بناء نظام إقليمي جديد بقيادة إسرائيل:
تسعى إسرائيل عبر “اتفاقيات الإبراهيمية” إلى ترسيخ مكانتها كقوة محورية في المنطقة من خلال ربط دول الخليج والمشرق بشبكات أمنية واقتصادية. تستهدف هذه الاستراتيجية عزل القضية الفلسطينية عن علاقات إسرائيل مع العالم العربي وتهميش القوى التي تعارض التحالفات الأميركية-الإسرائيلية. كما تسعى لإضعاف النفوذ الإيراني وقوى المقاومة في لبنان وسوريا.
إن هذه الأهداف الاستراتيجية تمثل تحوّلًا جذريًا في مفهوم الأمن الإقليمي لدى إسرائيل، حيث تتجاوز التركيز العسكري التقليدي إلى استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية وإعلامية لفرض هيمنتها. وفي الوقت نفسه، تواجه تل أبيب تحديات متزايدة من مقاومة إقليمية، تقلبات في السياسة الدولية، وتغيرات جيوسياسية تتطلب منها إعادة تقييم مستمرة لخططها وأولوياتها
كولشان صغلام