غزة تحت النار : إبادة مدنية متواصلة وصمت دولي مدوٍ…

كيف يُموه العالم جرائم الحرب ويترك الضحايا بلا صوت؟

بقلم د. عبد العزيز طارقجي

تشهد غزة منذ سنوات ممارسات عدائية من قبل القوات الإسرائيلية، تتسم بانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، مما أسفر عن معاناة غير مسبوقة للأسرى المدنيين، بمن فيهم النساء، الأطفال، الشيوخ، والبنية التحتية الحيوية التي تشكل حياتهم. هذه الانتهاكات، التي تشمل استهداف المدنيين والحجر والشجر، لا تمثل فقط جرائم حرب، بل تتخطى إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى التجويع والإبادة الجماعية.

انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

ينص القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، على وجوب حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وعدم استهداف الأعيان المدنية والبنية التحتية الحيوية التي تؤثر على حياة المدنيين اليومية. ورغم ذلك، وثقت تقارير عديدة استخدام إسرائيل للقصف الجوي والبري الذي يستهدف الأحياء السكنية، المدارس، المستشفيات، مصادر المياه، والبنى التحتية الأساسية.

إن سياسة الاستهداف الممنهج لأشجار الزيتون والحجر الزراعي، إضافة إلى فرض حصار اقتصادي خانق يعيق وصول الغذاء والدواء، يُعد انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي التي تحظر العقوبات الجماعية والمعاقبة غير القانونية للسكان المدنيين. كما أن استهداف النساء والأطفال والشيوخ، في ظل هذه الظروف، يشكل جريمة حرب وفقًا لميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.

سياسة التجويع والاستهداف الممنهج: إبادة جماعية تحت ستار الحرب
تعد سياسة الحصار والتجويع التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، والتي تشمل تقليص دخول المواد الأساسية وفرض قيود شديدة على الحركة، بمثابة أساليب تهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للسكان المدنيين. هذه السياسة، إلى جانب القصف العشوائي المستمر، يمكن تصنيفها وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تشير إلى “ارتكاب أفعال بقصد تدمير جماعية كليًا أو جزئيًا”.

تجربة السكان المدنيين في غزة تعكس مأساة إنسانية لا تقل خطورتها عن النزاعات المسلحة، بل تتخطاها إلى فرض معاناة ممنهجة تؤدي إلى الموت البطيء وفقدان الأمل.

التحليل السياسي والاقتصادي: تداعيات استراتيجية على المنطقة والعالم
تمثل الحرب على غزة جزءًا من صراع إقليمي أوسع يُغذى بتشابكات سياسية وأيديولوجية عميقة…

من الناحية السياسية، يُنظر إلى غزة كرمز للمقاومة الفلسطينية، بينما تسعى إسرائيل لضرب هذه المقاومة عبر استهدافها العسكري والاقتصادي. هذا الصراع يخلق توترات لا تنتهي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويُعقّد فرص السلام في الشرق الأوسط.

الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على غزة يؤدي إلى انهيار الاقتصاد المحلي، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدمير البنية التحتية الحيوية مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، مما يزيد من هشاشة المجتمع المدني ويعوق التنمية.

التدخلات الإقليمية والدولية تزيد من تعقيد المشهد، حيث تستغل بعض القوى هذا النزاع لتعزيز نفوذها أو تحقيق مكاسب جيوسياسية، بينما تعاني الشعوب المحلية من عواقب هذه المناورات.

على الصعيد الدولي، يساهم استمرار الأزمة في زعزعة الاستقرار الإقليمي، ويمثل حاضنة لتصاعد التطرف والعنف، مع انعكاسات على الأمن العالمي تشمل الهجرة غير النظامية، الإرهاب، وتعطيل جهود السلام الدولية.

هذا الواقع السياسي والاقتصادي يبرهن على أن الحرب على غزة ليست مجرد نزاع عسكري، بل أزمة شاملة تتطلب إدراكًا عميقًا لأبعادها وتأثيراتها.

وفي الختام نقول … إن صمت المجتمع الدولي، خاصةً الحكومات الكبرى، إزاء الجرائم المستمرة في غزة، يشكل خيانةً لقيم العدالة وحقوق الإنسان التي يُفترض بها أن تحكم العلاقات الدولية. هذا الصمت يترافق مع تزوير متعمد للحقائق، حيث تلعب وسائل الإعلام الدولية دورًا محوريًا في تغطية الجرائم الكبرى وتلطيف صورة الجلاد، مما يساهم في تجهيل الرأي العام العالمي عن حقيقة ما يجري على الأرض.

إن إرهاب المدنيين من جميع الأطراف، سواء من خلال الاستهداف المباشر أو سياسات الحصار والتجويع، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان، ويجب أن يُدان بكل حزم دون تمييز. لا يمكن للعالم أن يظل متفرجًا أو متواطئًا أمام معاناة شعب بأكمله يُعاقب على أمل الحرية والكرامة.

إن استعادة الحق والإنصاف تتطلب وقفة جريئة ومسؤولة، تحترم القيم الإنسانية وترفض كل أشكال العنف والتجويع التي تستهدف المدنيين الأبرياء.

وفي نهاية المطاف، لا سبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط إلا عبر إعلاء قيم السلام والمحبة، ومحاسبة جميع مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة دون استثناء، لضمان عدم الإفلات من العقاب، فذلك هو المدخل الحقيقي نحو سلام عادل وشامل يليق بكرامة الإنسان وحقه في الحياة.

اخترنا لك