بقلم د. أنطوان مسرّه
لماذا نجاح الانتشار اللبناني وأي دور مستقبلي لهذا الانتشار؟ يعود إشعاع الانتشار اللبناني، بفضل ثقافة وتراث وتربية مكتسبة في لبنان وبفضل توفر دولة ناظمة خارج لبنان. ويتمتع الانتشار اللبناني بخبرة في مختلف المجالات وبالتالي بالقدرة على النهوض وتجسيد لبنان الدولة والرسالة والدور عالميًا وفي الجوار العربي.
1. دور الانتشار اللبناني دبلوماسيًا لصالح لبنان الدولة والرسالة والدور: دور الانتشار اللبناني بالغ الأهمية دبلوماسيًا شرط تحرّر المغتربين من زبائنية محلية، وذهنية تبعية لبنانية، وعقدة الباب العالي، ودعارة لبنانيين في العلاقات الدبلوماسية…! إنها العوائق الأبرز في تحقيق سياسات عامة ونهوض لبنان واستقراره وبالتالي الحاجة إلى مساهمة الانتشار اللبناني في استعادة الثقة لبنانيًا وثقة العالم بلبنان. يتطلب ذلك تجنّب امتداد ذهنية لبنانية مرضية عابرة للحدود!
اللبنانيون الناجحون المنتشرون في العالم، عندما يعودون إلى لبنان ويفكّرون بلبنان، يستعيدون غالبًا نمطيات ذهنية لبنانية موروثة في كسروان، والهرمل وعين إبل…! الحاجة إلى مواقف أكثر وضوحًا وصلابة ونقدًا بشأن لبنان الدولة والرسالة.
يتميّز اللبنانيون بالفكر والصمود والمقاومة الوطنية، وليس بالفئوية، والتفاعل والإبداع في مختلف المجالات، لكنهم يعانون في علم النفس التاريخي والعيادي من سلوكيات مرضية تعود إلى رواسب تاريخية. لم تخضع هذه الأمراض للمعالجة بعد إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 واستقلال 1943 بالرغم من الخبرات الأليمة المتراكمة وكوارث المقامرين والمغامرين. تتطلّب ظواهر مرضية لبنانية في علم النفس السياسي التاريخي والعيادي معالجات ثقافية وتربوية في سبيل استعادة الثقة والنهوض ولبنان الدولة.
ورد في الإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني في بيروت في 10/5/1997 وبحرف أسود: “ما يتوجب عمله التغيير في الذهنيات” (البند 9). أي تغيير في الذهنيات السياسية اللبنانية؟ في محاضرته في الندوة اللبنانية بعنوان: Le procès de l’intelligence libanaise في 12/6/1950 يقول جورج نقاش: “ما يحقّقه اللبناني على المستوى الفردي يدمّره على مستوى الوطن”.
2. مشاركة متميّزة للانتشار اللبناني في الانتخابات النيابية: تتم مقاربة مشاركة الانتشار اللبناني في الانتخابات النيابية بشكل تقليدي كمجرد حق في الانتخاب. ويجري تعامل قوى سياسية مع المغتربين كقوة اقتراعية في تنافس سياسي محلي! ويتم إيقاظ موروثات تبعية وزبائنية لحث المغتربين على الاصطفاف ضمن الاصطفافات اللبنانية المعروفة. هل هذا دور الانتشار اللبناني: قوة اقتراعية لزعامات محلية أم قوة تغيير بعد كوارث ومصائب لبنان؟
في الانتخابات الأخيرة يتبيّن أن جهات رسمية لبنانية في الخارج تابعة لزعامات محلية أخذت تتصل بناخبين لبنانيين مغتربين ذات التبعية الاقتراعية المعروفة. هل يكون المغتربون ناخبين للبنان الدولة والرسالة والدور العربي وليس مجرد مقترعين ملحقين بزبائنية قبائلية؟
ورد أساسًا أن المغتربين اللبنانيين يصوّتون لستة مقاعد خاصة بالانتشار اللبناني. مع التقيّد بقاعدة المناصفة يشكّلون قوة متمايزة عن نزاعات بيوتات سياسية داخلية مستجدة ودفاعًا عن لبنان الدولة والرسالة والدور العربي المميّز نقيضًا لمسار لبنان الساحة والساحات.
إن لائحة الانتشار اللبناني من ستة نواب، مع برنامج خاص لمرشحي الانتشار اللبناني حول لبنان الدولة والرسالة والدور العربي والنهوض، وليس استتباعًا لزبائنية اقتراعية داخلية، هو دور الانتشار اللبناني مستقبلاً.
لا ضرر بأن يكون مرشحو الاغتراب منتمين إلى أحزاب عريقة في تاريخ لبنان، لكن دورهم ليس إضافة أصوات اقتراعية لمسارات لبنانية غارقة في زعزعة وظائف الدولة والتراث الدستوري اللبناني المتراكم.
ما نقوله هو التجسيد الانتخابي والسياسي لما يقوله د. بطرس لبكي: “تُشكل الهجرة ضمان أمان للنظام السياسي والاجتماعي وتساهم في ديمومته” (ص 461)، ويكتب د. بطرس لبكي حول “الواقع السياسي للمغتربين على هيكلية الدولة اللبنانية” (ص 446)، مع جردة “بالمغتربين وأبناء المغتربين المنتخبين في البرلمان اللبناني منذ الاستقلال حتى بدء الحروب المتعددة الجنسيات عام 1975”: بطرس لبكي، هجرة اللبنانيين:
1850-2018 مسارات عولمة مبكرة، بيروت، دار سائر المشرق، 2019، 560 ص، ص 446-447.
Albert H. Hourani and Nadim Shehadi, ed., The Lebanese and the World: A Century of Emigration, London, I. B. Tauris, 1992, 740 p.
La Dulce Tinta de Al-Jawater / Las Ideas (La familia Helu’Atta, libaneses de México, traduccion de textos del arabe Nabil Semaan, 2024, 670 p.
المغتربون هم ناخبون في دائرة متميّزة ودورهم مميّز. يرد ذلك في عدة تقارير للجنة البندقية Commission de Venise التابعة للمجلس الأوروبي. والمنظمة الدولية للهجرة Organisation internationale pour les migrations – OIM تعتبر أن انتخاب المغتربين “وسيلة للاندماج الوطني والتنمية” Cohésion nationale et développement. في إيطاليا يخصص 12 مقعدًا في المجلس النيابي في دائرة خارجية. وفي فرنسا تخصيص 11 نائبًا للفرنسيين في الخارج، وأيضًا في البرتغال، تونس، الجزائر…
قانون الانتخاب رقم 44/2017 يخصص ستة مقاعد لتمثيل اللبنانيين في الخارج ابتداء من 2022. تحوّل الموضوع إلى تصويت في دوائرهم الأصلية! التمثيل المميّز لم يطبّق. ويجري العمل على توزيع المغتربين على اللوائح الانتخابية اللبنانية الداخلية وتختلط الأصوات بالدوائر المحلية.
يعبّر كل ذلك عن غياب الإرادة السياسية مع تعميم زبائنية انتخابية واستعمال المغتربين كفائض انتخابي لزعامات محلية! لا استراتيجية لبنانية لإدماج المغتربين في الحوكمة وتجنّب مخاطر تعميم زبائنية لبنانية عابرة للحدود!