لبنان بين إرهاب الخارج وأهوال الداخل والضوء في آخر النفق

بقلم ماهر أبو شقرا

إنّ التفجير الإرهابي لكنيسة مار إلياس في دمشق هو النتيجة الطبيعية للتمادي في إنكار خطورة الفكر الجهادي التكفيري، والسكوت المستمرّ عن الانتهاكات والتعديّات على الحرّيات الدينية والاجتماعيّة والثقافية التي حصلت في الشهور الأخيرة في سوريا، وقد كانت تصنّف سلوكيات فرديّة.

إنّ الفكر الجهادي التكفيري هو المحرك الأساسي لتلك الأفعال، بصرف النظر عن المحرض والمخطط. ولكي ينجح التحريض والتخطيط للعمليات الإرهابيّة، فهو يحتاج إلى بؤر من الفقر والبؤس، غارقة في فكر حاقد على البشرية ويتباهى بإنكار العلم وازدراء التقدّم واحتقار الحياة. إن التهاون مع هذه الظواهر يؤدي إلى خلق بيئة خصبة للإرهاب، الذي يهدد الأمن والاستقرار ويقوض أسس المجتمعات.

لبنان حتماً ليس بمعزل عن هذا الخطر، والتكفيريّون الجهاديّون يشكلون تهديداً واضحاً له. لقد كان النظام البعثي الساقط يتقن ممارسة تصدير الإرهاب من سوريا إلى لبنان، ولطالما أتقنت إيران تحريك فصائل جهاديّة، وأحجار متناقضة على الرقعة الإقليمية، وفق ما يخدم مصالحها. وبظلّ عدم استقرار الحكم السوري الجديد، وإذا لم تنشأ في سوريا سلطة سياسية صديقة للبنان وقادرة على الإمساك بزمام الأمور، فإنّه لا شيء يمنع استمرار تصدير الإرهاب إلى أرضنا.

أمّا إذا تمكّن التكفيريّون من إحكام السيطرة على السلطة في سوريا، فسوف يكون لبنان أمام خطر التمدّد العسكري المباشر من الأراضي السوريّة. الأخطر من ذلك كلّه هو نشوء بيئة حاضنة واسعة لهذا الفكر داخل لبنان نفسه، وهو ما يضع المجتمع اللبناني أمام تحديات رهيبة.

حزب الله يمهّد لاستخدام هذا الخطر لتبرير تمسكه بسلاحه. إنّما الواقع يثبت أن مواجهة ميليشيا تكفيرية بميليشيا خمينية لن يحمي لبنان. وفي الواقع إنّ هذا الأمر سوف يشعل صراعاً طائفياً يهدّد وحدة مجتمعنا ويزيد الأوضاع سوءاً.

ثم إنّ لبنان لا يحتمل أن تتسلح إحدى طوائفه دون الأخرى، وإذا تسلّح الجميع فإنّ ذلك سوف يقود حتماً إلى حرب داخلية. فلا بدّ إذن من حصر كلّ السلاح بيد الدولة اللبنانية، ولا بدّ من حشد كلّ الجهود لتعزيز قدرات الدولة الاقتصاديّة والأمنيّة، ولا بدّ من بناء تحالفات استراتيجيّة تساهم في درء المخاطر عن لبنان. ولا بدّ حتماً من جعل مصلحة أمّتنا اللبنانيّة فوق كلّ اعتبار.

ومصلحة أمّتنا اليوم تقتضي حماية وحدة مجتمعنا وتعزيزها، والانتقال إلى نظام سياسي يلائم خصائص الأمّة اللبنانيّة. نظام يرتكز إلى ثلاثة أركان: إدارة لامركزيّة، وقوانين مدنيّة، ودولة إجتماعيّة.

أمام تحقيق مصلحة أمّتنا يقف تحالف زعماء الطوائف وأمراء المال، ويتبعهم جيش من كبار الموظفين والمحتكرين والإعلاميين. إنّ هذا التحالف يرى مصالحه الخاصة قبل مصلحة المجتمع.

فلا بدّ إذن من تحييد تحالف زعماء الطوائف وأمراء المال عن السلطة، وتحرير الدولة ومؤسساتها من هيمنة طبقة الموظفين الذين قام هذا التحالف بتعيينهم في جميع المفاصل الحسّاسة في مؤسسات الدولة الإدارية والأمنيّة والقضائية. أي حيازة أكثرية نيابيّة مؤمنة بالمشروع السياسي الذي يعبّر عن مصالح الأمّة اللبنانية.

اخترنا لك