بقلم مكرم رباح
من الصعب، ولربما من المستحيل، أن يتغيّر الوضع في لبنان في ظل بقاء سلاح “حزب الله”. ورغم أن البعض يرى في التركيز الحصري على هذا السلاح نوعًا من التبسيط أو “الافتراء”، تعيد خطوة نبيه بري الأخيرة التي تتمثل بمَنع المغتربين من الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة النقاش إلى جوهره، وتُذكّر بحقيقة الواقع.
في جلسة مجلس النواب الأخيرة، امتنع نبيه بري، بصفته رئيساً للمجلس، عن إدراج بند اقتراع المغتربين على جدول الأعمال، مكتفيًا بالقانون الذي يحصر حقهم في انتخاب ستة نواب فقط موزعين على القارات، مانعًا إياهم من التصويت في دوائر قيدهم كما حصل في الانتخابات الماضية. لكن المسألة هنا لا تتعلق بمجرد قانون انتخابي، بل تحاكي جوهر الصراع وهو: رفض “الثنائي الشيعي” تقديم أي تنازل في ملف السلاح.
ترتكز الهيكلية التي تحكم هذا الثلاثي القاتل – سلاح، فساد، وتعطيل الإصلاح الانتخابي – على ثلاثة أعمدة رئيسة:
أولًا، السلاح: سلاح “ميليشيا إيران” في لبنان وهو الأداة التي تُبقي قبضة نبيه بري وما تبقى من “حزب الله” على مفاصل الدولة، تحت ذريعة “ضمان حقوق الشيعة”. إنه طرح “هرطوقي”، لا يحمي الشيعة ولا لبنان، بل عَجِز، كما أثبتت الأحداث الأخيرة، عن حماية إيران نفسها أو تأدية أي دور ردعي فعلي.
ثانيًا، المحاصصة: احتكار التعيينات الأمنية، والإدارية، والقضائية، كما يتضح من الصفقات المتتالية والجدل القائم حول التشكيلات القضائية. أما الكفاءة والمناقبية فلا مكان لهما، بل الغلبة للولاء والمحسوبيات الطائفية، حتى ولو خُرِق الدستور وأُعيق عمل الحكومة.
ثالثًا، رفض الإصلاح الانتخابي: يتمسك بري و”حزب الله” بتعطيل أي تعديل قد يهدد حصرية تمثيلهما للشيعة، ما يمنحهما ذريعة ربط الطائفة بالسلاح، ويمنع أي مكوّن لبناني آخر من المسّ بـ “الميثاقية” المزعومة. من هنا يأتي رفضهما القاطع لاقتراع المغتربين، ولأي إصلاح جوهري مثل إنشاء الميغاسنتر، الذي يسمح للناخبين المعارضين بالاقتراع من دون التعرّض لبلطجة أحزاب السلطة.
حق المغترب في الاقتراع ليس تفصيلاً، بل هو واجب وطني. فهؤلاء اللبنانيون هم من أسّسوا سمعة لبنان في العالم، وراكموا رأسماله الرمزي والمالي. وهم الذين أودعوا مدخراتهم في المصارف اللبنانية، التي بدّدتها الطبقة السياسية عينها التي تمنعهم اليوم من المشاركة.
ثلاثية السلاح والفساد وإقصاء المغترب ليست نظرية، بل منظومة متكاملة لحماية نظام الإجرام القائم. وإذا كان السلاح هو البنية الرمزية، فإن الانتخابات والتعيينات هي الاستحقاقات المادية والملموسة التي يجب على اللبنانيين مواجهتها بشراسة بما يوازي عناد قادة المنظومة لجهة خرق الدستور وتدمير الدولة.
ما يغفل عنه البعض هو أن رفض اقتراع المغتربين يعني أيضًا رفضًا للسيادة، لأن السيادة لا تُمارَس فقط في الجغرافيا، بل في قدرة كل مواطن لبناني على التعبير السياسي الحر أينما وجد. أما منع اللبنانيين المنتشرين من الاقتراع فهو امتداد لانقلاب السلاح على الدولة، خارج حدود الوطن.
الوقت اليوم أغلى من أن يُهدر في الشكوى، بل إنه زمن التنفيذ. من حق كل لبناني، داخل الوطن أو خارجه، أن يواجه ثلاثية السلاح والفساد والتعطيل، لا بالصمت أو بالتأقلم، بل بالمواجهة: في صناديق الاقتراع، وفي القضاء، وفي الشارع، وفي الرواية الوطنية. بري ليس قَدر اللبنانيين، والسلاح ليس شريعة، والمغترب ليس ضيفاً على الوطن، بل شريكه في الخلاص.