كتب رياض عيسى
بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠
في مثل هذه الأيام من كل عام، تنكأ الذاكرة اللبنانية جرحاً عميقاً لم يندمل، انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، أو ما بات يُعرف بـ”بيروتشيما” – تشبيهًا بكارثة هيروشيما النووية، لما سببه من دمار شامل في قلب العاصمة اللبنانية.
لحظة الرعب، الانفجار الذي غيّر وجه المدينة
في مساء الثلاثاء 4 آب، اهتزّت بيروت على وقع انفجار ضخم وقع على مرحلتين في العنبر رقم 12 من مرفأ بيروت. تسبّب الانفجار في سحابة دخانية ضخمة تشبه سحابة الفطر النووية، ترافقت مع موجة صادمة هزّت العاصمة، وخلّفت دماراً شاملاً في المرفأ وامتدّت أضراره إلى أحياء بعيدة كالأشرفية، الكرنتينا، مار مخايل، الرميل، والمرفأ.
تحولت بيروت في لحظات إلى مدينة منكوبة، وقد أعلن محافظها مروان عبود أن “المشهد يُشبه هيروشيما”.
وسُجل سقوط أكثر من 218 شهيدًا، وإصابة ما يزيد عن 7000 شخص، وتدمير نحو 50 ألف وحدة سكنية، وتشريد حوالي 300 ألف إنسان.
ووفق تقديرات أولية، بلغت الخسائر المادية ما بين 10 و15 مليار دولار أمريكي.
المرفأ.. رئة لبنان تتوقف عن التنفس
يُعد مرفأ بيروت الشريان البحري الحيوي للبنان. يضم أربعة أحواض عميقة و16 رصيفاً، و12 مستودعًا، وصوامع لتخزين القمح تمثل خزاناً استراتيجياً غذائياً. وبانفجاره، أصيبت البلاد في أمنها الغذائي والاقتصادي والاجتماعي.
كارثة داخل كارثة، توقيت مأساوي وأزمة متراكمة
جاء الانفجار في وقت كان لبنان فيه غارقاً بأزمات خانقة: انهيار اقتصادي غير مسبوق، تراجع في سعر صرف الليرة، فقر مدقع تجاوز 50% من السكان، إضافة إلى جائحة كورونا التي أضعفت البنية الاستشفائية. وقع الانفجار في لحظة انهيار عام، فأجهز على ما تبقى من أمل.
من المسؤول؟ لا جواب بعد خمس سنوات!
التحقيق في الانفجار بقي رهينة التجاذبات السياسية. رغم تعيين قضاة وفتح مسارات قانونية، تم تعليق التحقيق مرات عدة، ورفض بعض المسؤولين المثول أمام القضاء، وتم تعطيل صدور القرار الظني.
بعد مرور خمس سنوات، لا إجابات واضحة، ولا محاسبة، ولا حتى حدّ أدنى من العدالة للضحايا والناجين.
رسالة الضحايا، لا عدالة من دون حقيقة، العدالة ليست انتقاماً.. بل ضرورة لبناء وطن
لم يطلب اللبنانيون الانتقام، بل الحقيقة. من استورد النيترات؟ من خزنها؟ من علم وسكت؟ من تجاهل التحذيرات؟
السكوت عن هذه الأسئلة هو جريمة إضافية في حق بيروت واللبنانيين.
فكما قال أحد أهالي الشهداء: ” أبناؤنا ماتوا في وطنهم، فلماذا يعيش القاتل بينهم بحرية؟”
بيروت ما زالت تنزف / بيروت ذاكرة لا تموت
بيروت اليوم ليست فقط مدينة منكوبة، بل مدينة بلا عدالة. الضحايا سقطوا، المرفأ دُمّر، العاصمة ارتجفت، والجرح لم يُضمد.
بيروت لا تنسى. وأمهات الشهداء لا ينسين. والدماء التي اختلطت بالركام لن تجف حتى تُعلن الحقيقة ويُنجز القضاء عمله كما يجب.
4 آب ليس مجرد تاريخ، بل لعنة تُذكّرنا بفساد نظام، وبقوة الفساد، وبهشاشة الدولة، وبألم مدينة لم تجد بعد من يضمد جراحها.
وإذا لم تتحقق العدالة، فستبقى بيروت تعيش لحظة 4 آب كل يوم، وكل عام.