كتب داني عبد الخالق
بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠
في الرابع من آب، لم ينفجر المرفأ فقط… انفجر قلب بيروت.
في ذلك المساء المشؤوم، ارتجّت المدينة، وسقطت الأقنعة، وتبعثرت أحلام أهلها كما تبعثرت حجارة بيوتهم القديمة.
بيروت التي نحبها جميعاً، تلك المدينة التي لم تعرف يوماً الراحة، خُذلت مرتين: مرة بانفجار الفساد والإهمال، ومرة بصمت العالم، ولامبالاة أهل السلطة.
الرابع من آب لم يكن مجرد كارثة عرضية، بل كان جريمةً موصوفة في حق مدينة، في حق وطن، في حق شعب كان يحلم ببلد يشبه أحلامه لا كوابيسه.
في بيروت، لا تزال رائحة الدمار عالقة في الجدران والقلوب، ولا تزال العيون تبحث عن حقٍ ضائع، وعن عدالةٍ لم تولد بعد.
ذاكرة بيروت ليست حجراً أو حطاماً فقط، ذاكرة بيروت هي دموع أم فقدت ابنها، وطفل ينتظر والده الذي لن يعود، ووجه ممرضة أنقذت مريضاً بينما المستشفى ينهار فوق رأسها.
ذاكرة بيروت هي صرخة الذين وقفوا وسط الغبار والدماء، يهتفون: لن ننسى.
اليوم، ونحن نكتب، نحاول أن نثبت أن بيروت لم تُمحَ ، نحاول أن نحفر في جدار الصمت كلمات تقول: ما حدث لن يصبح طيّ النسيان.
لن تكون بيروت مجرد خبر قديم في نشرة الغد، أو صورة باهتة في أرشيف جريدة، بيروت مدينة تتنفس بالذاكرة، وتعيش على الحلم.
في مشروع الذاكرة، نكتب لأن الكتابة مقاومة، نكتب لأن بيروت تستحق أن تُحكى بصدق، أن تُروى كما كانت وكما صارت، وأن نُحمِّل كلماتنا أمانة البحث عن الحقيقة… والحقيقة وحدها.
… ومع كل ذلك، تبقى بيروت.
بيروت الرائعة، بيروت الساهرة، بيروت التي كانت وما زالت عروس المتوسط وملهمة الشعراء والمحبين.
تلك المدينة التي تُداوي جراحها بشمس كل صباح، وتُخفي أوجاعها خلف ضحكة طفل، أو أغنية في ليل صيفي لا ينتهي.
بيروت التي عرفت ليالي الفرح، وأضواء المسارح، وهمسات البحر عند الغروب، بيروت التي اجتمع في شوارعها كل لون، وكل دين، وكل حلم.
بيروت التي أحبها العالم، لأنها كانت ولا تزال مرآة الحرية والجمال.
افرشوا لها السجاد الأحمر لأنها ستولد من جديد.
ستعود بيروت كما عرفناها، وكما عرفها العالم: عروساً جميلة، أنيقة، شامخة فوق أنقاض القهر، متوجة بإصرار أهلها، مزينة بكرامة شعبها، ومرصعة بذاكرة لا تنسى.
بيروت لا تموت…