٤ آب : بيروت التي نامت والدمعة على خدّها

كتب جاد الأخوي

بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠

في الرابع من آب، ما كانت بيروت تعرف أنّها راح تنام وما تقوم، وإن قامت… تقوم بلا صوت. بلا ضحكة. بلا ناس.

ما كان حدا يعرف إنّو الساعة 6:07 رح تصير ميزان وجع. لحظة بتنقسم فيها حياة أهل بيروت إلى “قبل” و”بعد”.

قبل… كانت بيروت رغم كل شي، بتحاول تفرح، تتجمّل، تتنفس.

بعد… صارت بيروت تبكي، وتختنق، وتعدّ أسماء ضحاياها بدل ما تعدّ نجوم سهرتها.

اللي صار مش انفجار…

اللي صار هو خيانة.

خيانة بحجم مدينة. خيانة بحجم وطن.

شو يعني ينام طفل وما يقوم؟

شو يعني أم تفتّش عن صورة ابنها بين الركام؟

شو يعني قلب انفطر ومين اللي بيرجّعو؟

شو يعني تكون عم تشتغل بشرفك، وفجأة بتلاقي حالك تحت سقف واقع فوقك؟

شو يعني تكون عم تطبخ، وبيتك صار تراب؟

شو يعني تكون ناطر حبيبك يرجع، وبيوصلك نعيه قبل صوتو؟

كل شي صار بهديك اللحظة، ما إلو تفسير إلا الغدر.

غدر الناس اللي كانوا لازم يحموك.

الناس اللي عرفوا وضلّوا ساكتين.

الناس اللي تركوا الموت مخبّى بأكياس نترات، بانتظار يوم يصرخ فيه الحديد وينشقّ فيه الهواء.

وأجى اليوم.

وفي لحظة، اتبدّلت وجوه، وانهارت بيوت، وانكسر عمر كامل.

وإنت وعم تركض تنقذ حدا، كنت عم تطمّن على حالك إنّك بعدك عايش.

بس كيف نعيش من بعدهم؟

أربع سنين، وما في شي تغيّر.

بيروت بعدها مجروحة، العدالة بعدها محجورة، والضحايا بعدها ناطرة…

ناطرة جواب، ناطرة اعتذار، ناطرة شي يقول إنّو وجعن مش عابر.

بس الدولة…

الدولة ماشية كأنو شي ما صار.

كأنو الأرواح اللي طارت كانت حلم.

كأنو الدمار كان مشهد بفيلم وانتهى.

بس نحنا ما انتهينا.

كل بيت في بيروت بعدو حامل نقطة دم، قطعة زجاج، صورة مكسورة، تنهيدة مكتومة.

وكل أم، كل أب، كل أخ وأخت، صار في قلبن خرم… ما بيرجع يتعبّى.

٤ آب مش ذكرى…

٤ آب صار تاريخ عمرنا الحقيقي.

صار الندبة اللي ما بتخفّ.

اللحظة اللي منوقف فيها كل سنة، منصير نعدّ الضحايا، ومنعدّ حالنا معهم.

العدالة؟

العدالة بعدها ضايعة…

بس نحنا مش ضايعين.

كل مرة منوقف، منعيّط، منطالب، منرجّ الأرض، منعلّي صوتنا ليبقى صوتن هني، الأسبق، الأعلى، الأنقى.

وإذا نسي العالم، نحنا ما مننسى.

وإذا تعبوا، نحنا ما منتعب.

لأن بيروت…

بيروت ما بتموت.

ولو ركعوا كل حيطانها، بيضل فيها قلب واقف، عيون مفتوحة، وصوت بيقول:

“وينن؟”

“ليش ماتوا؟”

“ومين بيدفع حقن؟”

اخترنا لك