مرفأ بيروت : جريمة العصر بعد سنوات من المعاناة

كتب بسام سنو

#بوابة_بيروت تنشر #مشروع_ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في #٤_آب ٢٠٢٠

منذ الرابع من أغسطس 2020، تحولت مدينة بيروت إلى مسرح لجريمة ليست عادية، بل جريمة متعددة الأبعاد، يتداخل فيها الأمن، السياسة، والمصالح الدولية. تفجير مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة مئات الضحايا، وأصاب الآلاف بجروح، ودمّر أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية، ليس مجرد حادث عرضي أو خلل فني، بل هو حادث يعكس خلفه مؤامرة معقدة تضم قوى داخلية وخارجية، وتحمل في طياتها أسراراً لم تكشف بعد.

الشراكة مع النظام السوري وحزب لبناني

في خضم التحقيقات الأولية، بدأ البعض يشير إلى وجود علاقة مع النظام السوري وحزب لبناني موالي له، حيث تبين أن شحنات كبيرة من المواد الخطرة، التي كانت ضمنها مواد كيميائية شديدة الانفجار، قد تم تهريبها إلى لبنان عبر مرفأ بيروت. هذه المواد كانت، بحسب بعض الروايات، مخصصة لأغراض عسكرية في سوريا، حيث تم استخدامها في المعارك لصالح قوات النظام السوري.

الشحنات التي كانت مليئة بالمواد القابلة للاشتعال كانت محملة على متن سفينة تحمل العلم الروسي، تم إرسالها من إحدى الموانئ في جورجيا. هذا التنسيق السري يبدو كجزء من سيناريو مخابراتي معقد، يشبه في تفاصيله مشهدًا من مسلسل بوليسي مليء بالتعقيدات السياسية والعسكرية.

تجاهل التحذيرات والتواطؤ الرسمي

ما لا يقل إثارة في هذه الجريمة هو قضية التحذيرات التي تم تجاهلها من قبل المسؤولين اللبنانيين. فقبل تفجير المرفأ، كانت هناك تحذيرات من وجود مواد خطرة في العنابر رقم 12 التي كانت تحتجز فيها الشحنات، ولم يكن هناك أي إجراء رسمي لاحتواء هذا الخطر أو إخراج المواد الخطرة من المرفأ.

فقد كانت هناك تقارير تؤكد أن المواد الكيميائية كانت ستكون في المرفأ لفترة أطول من المخطط لها، مما يعكس تواطؤاً مقصوداً أو إهمالاً متعمداً من قبل جهات حكومية لبنانية. المسؤولون الذين كان لهم دور في اتخاذ القرار، من أعلى المراتب في الوزارات، كانوا على علم بالخطر، ولكنهم تجاهلوه لأسباب مجهولة، أو ربما لخدمة مصالح خارجية.

التفجير والتستر

لكن الجزء الأكثر تعقيدًا من القضية هو كيفية وقوع التفجير ذاته. وفقًا لبعض الخبراء في مجال المواد الكيميائية، فإن المواد التي كانت في العنابر لم تكن لتنفجر بمفردها. لكن عندما تم تكديسها مع مواد أخرى شديدة الاشتعال، أدى ذلك إلى انفجار هائل.

وكشفت التحقيقات في وقت لاحق أن تفجير المرفأ لم يكن حادثًا غير متعمد، بل كان عملاً موجهًا من طرف مجهول، ربما عدواً خارجيًا يسعى لتدمير البنية التحتية اللبنانية، أو ربما كان التفجير جزءاً من سيناريو أوسع لتغيير مسار المنطقة. لكن التستر على التفجير، بما في ذلك تغيير المحقق العدلي عدة مرات، يثير تساؤلات حول القوى التي كانت وراء إخفاء الحقيقة.

تهديد الضحايا والتغطية على المجرمين

مأساة أخرى تتعلق بكيفية التعامل مع الضحايا وأسرهم. بعد وقوع التفجير، بدأ الأهالي يواجهون تهديدات من قبل جهات مجهولة، وتم ترهيبهم لمنعهم من المطالبة بالعدالة. كما تم توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف لا علاقة لها بالحادث، بينما ظل المتورطون الحقيقيون في الجريمة بعيدين عن المساءلة. سياسة التغطية على الجريمة كانت واضحة منذ البداية، مع تغيير المحققين العدليين وعرقلة التحقيقات على مستويات متعددة. وهذا كله يثير شكوكًا حول وجود ضغوط دولية وإقليمية لتخليص المتهمين من المحاسبة.

الجريمة الكبرى ومشروع التدمير

الجريمة التي وقعت في بيروت، في ظل هذه الملابسات، ليست مجرد انفجار عرضي، بل جزء من مخطط أكبر لتدمير مستقبل لبنان. يُعتقد أن ما جرى كان له علاقة بـ “مشروع الحرير”، وهو مشروع اقتصادي دولي يهدف إلى تغيير الخريطة الاقتصادية والسياسية للمنطقة.

المرفأ كان أحد الأعمدة الرئيسية لبيروت، ومن خلال تدميره، كان يتم إضعاف لبنان وتقويض استقلاليته الاقتصادية. قد تكون هذه الجريمة جزءًا من مخطط إقليمي أوسع لتغيير موازين القوى في المنطقة، وتهديد استقرار لبنان بشكل خاص.

جريمة العصر التي لم تنتهِ بعد

إن جريمة مرفأ بيروت هي أكثر من مجرد حادث مأساوي، إنها قضية معقدة تتداخل فيها الجوانب السياسية، العسكرية، والمخابراتية. لقد تأكد أن هناك أطرافًا متعددة تورطت في تخطيط وتنفيذ هذا التفجير، ولكن الجريمة لم تقتصر فقط على الفاعلين الميدانيين. إنما هي جزء من سلسلة من العمليات التي تهدف إلى تغيير وجه المنطقة وتهديد مستقبل لبنان. ومع كل هذه الأسئلة التي لا تزال عالقة، تبقى جريمة مرفأ بيروت كما وصفتها بعض الأوساط “جريمة العصر”، التي من المؤكد أن تؤرخ لها كتب التاريخ في المستقبل.

لا تزال الحقائق تتكشف، وقد تكون هناك الكثير من المفاجآت القادمة.

اخترنا لك