زخور لعون هذه هي الإجراءات لاسترداد الودائع امام القضاء الدولي
التحكيم وتعميم مصرف لبنان 169 لا يوقف التنفيذ
أوضح رئيس تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات المحامي اديب زخورفي بيانه لفخامة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ان التعميم الصادر عن المصرف المركزي تحت رقم 169 مخالف للاتفاقيات الثنائية BITs والتحكيم ICSID و UNCITRALواتفاقية نيويورك 1958التي صادق عليها لبنان وتضمن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية كما حق كل اجنبي ولبناني الالتجاء الى القضاء اللبناني والاجنبي عند وجود فروع للمصارف في الخارج، وهذا التعميم وان كان ظاهره المساواة بين المودعين الا انه مخالف للقوانين والاتفاقيات ولا يوقف تنفيذ الاحكام الأجنبية، بخاصة انه وفقاً للمادة الثانية أصول محاكمات مدنية عند تعارض احكام الاتفاقيات مع احكام القانون العادي تقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية، بخاصة إن التعاميم الإدارية لا تعدل القوانين والاتفاقيات وهي ادنى درجة في مبدأ تسلسل القواعد، وهو أداة إدارية صادرة عن سلطة تنفيذية (البنك المركزي)، ولا يمكن له أن يُعلّق أو يُلغي أو يُقيد حقوقاً يكفلها القانون أو الاتفاقيات الدولية.
واجتهاد مجلس شورى الدولة اللبناني واضح في هذا الخصوص بأن “التعميم لا يُمكن أن يُقيّد حقاً مكرّساً بنص قانوني أو دولي”، ومبدأ “عدم مشروعية التنظيم إذا تجاوز حدّه الإداري وألغى أو علّق نصاً تشريعياً.”
مجلس شورى الدولة، الغرفة الرابعة، قرار رقم 904 بتاريخ 5/4/2016
وهذا موجز وقائع التعميم: حيث أصدر مصرف لبنان مؤخرا تعميما أساسياً للمصارف تحت رقم ١٦٩ تضمن قراراً أساسيا جديداً تحت رقم ١٣٧٢٩ يمنع المصارف من تحويل أية وديعة الى الخارج أو تنفيذ اية أحكام صادرة عن القضاء الأجنبي من دون اذن مسبق من البنك المركزي بهدف المساواة بين المودعين وعدم إعطاء المحظيين الذين لهم القدرة مراجعة القضاء الأجنبي حقوقاً أكثر من المودعين العاديين الذين لن يتمكنوا من ذلك في ظل مراجعة القضاء الوطني (بالرغم من انه ليس هناك أي مانع قانوني)، وقرر “الطلـب مـن جميـع المصارف العاملة في لبنان الامتناع عن تسديد اية مبالغ من الحسابات بالعملـة الأجنبية المكونة لدى أي منها قبل تاريخ ١٧/١١/٢٠١٩ ،سواء كانـت مكونـة لدى المصرف المعني أو تم تحويلها اليه بعد هذا التاريخ، بما يتجاوز السـقوف المحــددة”.
وكان من الأفضل، أن يتيح المصرف المركزي للمواطنين مراجعة القضاء الوطني وإعطاء كل التسهيلات لإرجاع ودائعهم امّا مباشرة عبر القضاء اللبناني او عبر المصرف المركزي بتنظيم إعادة الأموال دون الرجوع الى المحاكم الأجنبية وتكليف المواطنين رسوما ومصاريف ووقت واتعاب بغنى عنها، إمكانية اللبنانيين والعرب الأجانب مراجعة القضاء والتحكيم الدوليين لا تزال قائمة وفعّالة، حيث ان التعميم 169 يخالف بشكل مباشر التحكيم الدولي والحق في الالتجاء الى القضاء سواء اللبناني او الأجنبي، والتحكيم الدولي، المكفولة بالاتفاقيات والمحميّة في مقدمة الدستور اللبناني ولها قوة الدستور وتعلو حتى على القوانين فكيف بالأحرى التعاميم ومنها التعميم 169، ولبنان وقّع على أكثر من 43 اتفاقية توأمة استثمار (BITs) او معاهدة استثمار ثنائية، بما في ذلك الاتفاقية العربية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية (1980)، واتفاقية منظمة التعاون الإسلامي (1981)، تسمح باللجوء الى التحكيم الدولي والى القضاء الدولي، ومن اهم الاتفاقيات الدولية المتبعة:
1- اتفاقية واشنطن (ICSID) 1965
انضم لبنان إلى اتفاقية ICSID مركز تسوية منازعات الاستثمار الدولي، وهو مركز مستقل تابع للبنك الدولي، لإدارة التحكيم وتسوية المنازعات بين المستثمرين الأجانب والدولة المضيفة، بناء على تصديق لبنان على اتفاقية ICSID في العام 2003، وبالتالي اصبح لبنان عضوا في في اتفاقية واشنطن لعام 1965 التي أنشأت مركز ICSID وهذا الانضمام بالمصادقة الرسمية يلزم لبنان باحترام وتنفيذ قرارات التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة ل ICSID في النزاعات بين المستثمرين الأجانب والدولة اللبنانية، واسترداد الودائع المحجوزة.
2- اتفاقية نيويورك1958، تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية
كما ان التزام لبنان في مجال التحكيم الدولي واضح ومهم، حيث صادق على اتفاقية نيويورك 1958، وهي الاتفاقية الأساسية للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وهذه الاتفاقية تلزم لبنان بتنفيذ قرارات التحكيم الصادرة عن هيئات تحكيم معترف بها دوليًا (مثل ICC أو غيرها)، طالما استوفت شروط الاتفاقية. وهذا يعني أن لبنان ملتزم بتنفيذ قرارات التحكيم الدولية التي تندرج تحت اتفاقية نيويورك، وليس فقط ICSID.
3- اللجوء إلى المحاكم الأجنبية ضد بعض المصارف اللبنانية التي لها فروع في أوروبا
يحق للمودعين اللبنانيين والأجانب اللجوء الى المحاكم الأجنبية ضد بعض المصارف اللبنانية التي لها فروع في أوروبا على سبيل المثال (فرنسا، سويسرا، بريطانيا)، او اذا تمّ فُتِح الحساب عبر هذه الفروع أو وُجد نشاط يتعلق بها، او تم اثبات التضامن بين الفرع والمصرف الام على سبيل المثال حيث يمكن رفع دعوى أمام محكمة أجنبية، حيث تمّ قبول بعض هذه الدعاوى فعليًا في عدّة بلدان ومنها فرنسا وبريطانيا وحسمت لصالح المودعين باسترداد أموالهم المجوزة.
كما يمكن للدول أو المستثمرين العرب والأجانب وحتى اللبنانيين الذين لديهم جنسية اجنبية او اللبنانيين الذين لديهم استثمارات خارجية اللجوء للتحكيم الدولي او اللجوء الى المحاكم الأجنبية كما بينا، أو إذا طُبّقت قيود غير قانونية على عمليات نقل الأموال أو تحويلها خارج لبنان او رفض إعطاء ودائعهم (كحالات Al Habtoor الإماراتية التي واجهت قيودًا) وبالفعل صدرت العديد من القرارات الأجنبية والزمت المصارف اللبنانية بتسديد الودائع المحتجزة دون أي مبرر قانوني، وهذا من الأسباب المباشرة التي دفعت المصرف المركزي لإصدار التعميم 169.
4- مخاطر امتناع الدولة عن تنفيذ القرارات والاحكام الدولية
ان المخاطر الناتجة عن التعميم 169 أنه يمكن للمستثمر او المودع التوجه إلى محاكم دول أخرى التي تُعتبر أطرافًا في الاتفاقية لطلب التنفيذ، خصوصًا إذا كانت الدولة المخالفة لها أصول في تلك الدول. في حالة UNCITRAL او ICSID على سبيل المثال:
– يتم اللجوء إلى اتفاقية نيويورك (1958) بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، و يُمكن طلب تنفيذ الحكم أمام محاكم دولة توجد فيها أصول تابعة للدولة الممتنعة.
– كما يمكن الحجز على أصول الدولة بعد الحصول على قرار قضائي محلي بتنفيذ الحكم، يمكن طلب الحجز على الأصول غير السيادية التابعة للدولة (مثل الشركات المملوكة للدولة لأغراض تجارية)، بالرغم من ان القانون الدولي يمنع غالبًا الحجز على الأصول السيادية للدولة (مثل السفارات أو الاحتياطات الأجنبية).
– كما يمكن اللجوء الى الإجراءات الدبلوماسية والسياسية، حيث يمكن للدولة التي يتبعها المستثمر (أو المستثمر نفسه بدعم من دولته) أن تمارس ضغطًا دبلوماسيًا على الدولة المخالفة، وقد يشمل، التصعيد عبر المنظمات الدولية (مثل البنك الدولي، الذي يشرف على ICSID)، أو تقليل المساعدات الدولية، او تقييد الدخول إلى الأسواق أو التمويلات الدولية، كما يمكن التأثير على التصنيف الائتماني الدولي، عند امتناع الدولة عن تنفيذ أحكام التحكيم أو القضاء الدولي وقد يُعتبر مؤشرًا سلبيًا على التزامها بسيادة القانون والعقود، مما قد يؤدي إلى: خفض التصنيف الائتماني، وتقليل فرص الاستثمار الأجنبي.
5- الحق في اللجوء الى القضاء
حق اللجوء إلى القضاء هو الضمان الأساسي لحقوق الإنسان، وهو غير قابل للتصرف ولا يمكن التنازل عنه».
تنصّ المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن “لكل فرد حق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية للفصل في النزاعات التي تهمه” كما نصّت المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: أن “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وعلنية خلال فترة معقولة أمام محكمة مستقلة ونزيهة”، وجاءت المادة 8 من الدستور اللبناني: لتنص أنه “لا يجوز توقيف أحد أو حجزه إلا وفق القانون، ولكل محتجز حق التظلم أمام القاضي المختص” وجاءت مقدمة الدستور لتتبنى الإعلان العالمي لحقوق الانسان ويصبح جزءاً منها مع تبني كافة الحقوق، حيث يشدد القانون اللبناني على حق الوصول إلى القضاء كحق أساسي لا يجوز تجاوزه، وبطلان القرارات أو القوانين التي تمنع هذا الحق، ويُعتبر باطلاً، وأكد قرار المجلس الدستوري رقم 3/2011، أن “الحق في التظلم أمام القضاء هو حق أساسي، ولا يجوز تشريعه بأي قيود تؤدي إلى حرمان الأفراد منه” وبالتالي لا يجوز لأي سلطة تشريعية أو تنفيذية إصدار قانون أو قرار يحول دون تمكين الأفراد من اللجوء إلى القضاء، والاجتهاد واضح في القضاء الفرنسي:
«Le droit d’accéder à un recours juridictionnel est une garantie fondamentale des droits de l’homme, inaliénable et imprescriptible.»
وترجمتها “حق الوصول إلى اللجوء القضائي هو ضمان أساسي من ضمانات حقوق الإنسان، غير قابل للتصرف وغير قابل للتقادم”.
ومثال على ذلك حكم فرنسي شهير يؤكد على مبدأ الحق في الوصول إلى القضاء: في هذا الحكم، أكد مجلس شورى الدولة على مبدأ الحق في اللجوء القضائي الفعّال.
«Le droit à un recours effectif devant une juridiction».
«Le Conseil d’État affirme le caractère fondamental du droit à un recours juridictionnel effectif, garantissant la protection des droits de l’homme.»
Conseil d’État, 30 octobre 1998, Ministre de l’intérieur c. Commune de Venelles
لكل ما تقدم، يتبيّن أن تعميم مصرف لبنان رقم 169 لا يتمتع بالمشروعية القانونية، ويتعارض مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية التي تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني اللبناني، ويُعرّض الدولة اللبنانية لمخاطر قانونية ومالية دولية، مما يوجب التراجع عته او الطعن به ووقف العمل به فوراً حمايةً للحقوق الفردية ولسيادة القانون.
ونقترح لمساواة المودعين امام القانون وإعادة الثقة بالنظام المصرفي، تسهيل مراجعة القضاء اللبناني، وإيجاد آلية واضحة لإعادة الأموال تدريجياً، بمهل قصيرة، واسترداد الأموال المهربة بطريقة غير قانونية، كما وتنظيم التسويات بشكل عادل لعدم الاضطرار للجوء إلى المحاكم الأجنبية، واستكمال الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، وإرساء الثقة مجدداً في النظام المصرفي والمالي، وذلك من خلال خطة استراتيجية متكاملة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد الوطني وتعزيز مسار التعافي الشامل، وبخاصة إعطاء القروض من مصرف الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان بالأفضلية للمستأجرين لشراء منازل ضمن شروط ميسّرة وغير تعجيزية تتناسب والحد الأدنى للأجور، كما تسهيل استرداد الأموال المحجوزة بهدف شراء شقة تأوي العائلات نتيجة للإخلاءات التي ستترتب عن انتهاء قانون الإيجارات بتواريخ متفاوتة وتوحيدها وفقاً للاجتهاد الثابت ودفع التعويضات لهم بالأفضلية، كما تسهيل السحوبات للمودعين الذين يعانون من امراض ومصاريف ضرورية وطارئة ومستعجلة.