دعوا جورج عبدالله يرتاح… لا تُثقلوا على رجلٍ تحرّر للتو من أربعة عقود من الأسر

بقلم الطبيب إبراهيم فرج

بعد أكثر من أربعة عقود قضاها في المعتقل الفرنسي، عاد المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله إلى بلده لبنان محاطًا بالأهازيج والشعارات والخطابات. غير أن ما يحتاجه الرجل في هذه المرحلة لا يختصر بالتصفيق ولا بالمنابر.

ما يحتاجه جورج عبدالله بكل بساطة وعمق، هو أن يُترك وشأنه لبعض الوقت، أن يُمنح فسحةً من الراحة، ومساحةً من الصمت، ليعيد تعريف نفسه بعد 41 عامًا من الغياب القسري عن عالم تبدّل جذريًا.

في لحظة اعتقاله عام 1984، كان العالم مختلفًا. كانت خريطة النضال مغايرة، وكانت أدوات المواجهة تقليدية في معظمها.

أما اليوم، فالسؤال الجوهري الذي يطرحه العارفون بقضايا التحرر هو، هل ما زال جورج عبدالله يعتقد أن أدوات النضال القديمة ما زالت صالحة في زمن التحولات العميقة؟ هل خرج من سجنه إلى الحرية فعلاً، أم إلى سجنٍ آخر عنوانه الاصطفافات العقائدية و”الأبوّة السياسية” التي يتسابق كُثُر على فرضها عليه؟

يُفترض أن خروجه، بعد هذه السنوات الطويلة، ليس مناسبة لإعادة إنتاج الشعارات، بل لحوار حقيقي مع الذات ومع الواقع. فهل بقي جورج كما هو لحظة اعتقاله؟ وإن بقي، فهل بإمكانه أن يكون إضافة فكرية ونظرية للصراع، أم أنه سيُستخدم كرمز جامد يُراد له أن يُكرّس في موقعه كي لا يُقلق أحدًا؟

تجربة نيلسون مانديلا تفرض نفسها كمثال مضيء، رجل خرج من السجن لا كما دخل، بل أكثر حكمةً وعمقًا وتجددًا. رجلٌ أعاد صياغة أفكاره وواقعه، ما أهّله لقيادة وطنه والتحول إلى رمز عالمي ضد التمييز والاستعمار. هل يمكن أن نأمل بمسار مشابه مع عبد الله؟ أم أن محاولات تسليعه السياسي ستجهض أي تحوّل فكري كان يمكن أن يكون ممكنًا؟

بعيدًا عن الشعبوية، والهوبرة، والبهورة، وبعيدًا عن التكاثر عليه من قبل اليمين واليسار، ومن قبل من يودّ أن يحمله من منبر إلى آخر ليردد شعارات مستهلكة، ما نرجوه لجورج عبد الله اليوم هو أمر بسيط: راحة مستحقة، ومساحة تأمل، وفرصة ليكون هو، لا ما يريده الآخرون أن يكونه.

وفي حال لم يحمل معه جديدًا، فلا بأس. فالأبطال أيضًا يتعبون، ومن حقه أن يعيش ما تبقى من عمره بسلام، في الظل إن أراد، كأي متقاعد أنهكه الزمن.

اخترنا لك