الإسلام المعتدل، الإسلام المتشدد…

أوصاف حقيقية أم مصطلحات لواقع مُشوَّه؟ وأين هو "الدين الحق" بين كل هذا الصخب؟

بقلم خلود وتار قاسم

منذ بداية الخلق، أرسل الله رسله وأنزل كتبه ليعلّم الإنسان كيف يحيا بإنسانيته، كيف يحب، كيف يتآخى، كيف يعطي، كيف يعمّر الأرض ويرتقي بالحياة. الدين لم يُخلق ليُشرعن القتل أو يبرّر الجريمة أو يفتّت الأوطان. الدين الحق – كل دين سماوي – هو دعوة للمحبة، للتسامح، للتعايش، للعمل، للعطاء.

لكن اليوم، ما الذي يحدث باسم الدين؟ كيف تحوّل الدين إلى أداة في أيدي جماعات متعصّبة تُشعل الحروب، تُقيم الحدود بين أبناء الوطن الواحد، وتزرع الكراهية؟ كلما أراد أحدهم “هزّ الكيس” – كما في قصة كيس الجرذان – تستنفر الجماعات، تتقاتل، وتتناحر باسم الله!

أيّ خالق عادل يأمر بقتل النفس البريئة؟ أيّ ربّ رحيم يفضّل جماعة على أخرى إلا بالتقوى والعمل الصالح؟ الله ربّ العالمين، خالق البشر جميعًا، وليس حكرًا على دين ولا طائفة.

والأغرب من كل ذلك، أنني كثيرًا ما أُصنَّف على أنني “مسلمة معتدلة”. هذا المفهوم في حد ذاته خطير ومغلوط، لأنه يوحي بأن الإسلام في أصله متطرف، وأننا بحاجة إلى “ترويضه” ليصبح مقبولًا! بينما الإسلام – في حقيقته – دين الرحمة، دين “لا إكراه في الدين”، دين المساواة الذي لا يفرّق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، دين يحاسب الإنسان على عمله لا على انتمائه. فما حاجتنا لاختراع مصطلحات دخيلة على ثقافتنا، بينما جوهر الدين واضح وضوح الشمس؟

الحقيقة المؤلمة أنّ أصحاب المصالح جعلوا الدين سلعة، يقتلون باسمه، يسرقون باسمه، يبرّرون جرائمهم بشرعية مزعومة من الدين، ليُقنعوا مجتمعات جاهلة بأن الله أمرهم بكل ذلك. وهكذا تتحول الأديان التي جاءت رحمة للعالمين إلى وقود لصراعات دموية، تشوّه الفكر، وتمسخ القيم، وتعيدنا إلى عصور الظلام.

أصدقائي، الحرب اليوم ليست حربًا بالسلاح فقط، بل حرب على الفكر، على الوعي، على الثقافة. أخطر ما نواجهه هو هذا التشويه الممنهج الذي يجعل الدين أداة للهيمنة والسيطرة. واجبنا اليوم أن نقف في وجه هذا التضليل، ألا ننشر ما يسمّم العقول، وألا نصدّق كل من يلبس عباءة الدين ليتاجر بها.

الدين الحق لا يُقسّم، لا يُفرّق، لا يحرّض. الدين الحق يوحّد، يزرع المحبة، ويرفع الإنسان إلى قيم الخير والجمال. فلنحكّم عقولنا، لأن الله أرسل دينه ليحارب هؤلاء المنافقين، لا ليُبرّر أفعالهم.

كلنا مسؤول، لأن الصمت أمام هذا العبث هو خيانة للإنسانية قبل أن يكون خيانة للدين.

اخترنا لك