بقلم خلود وتار قاسم
يُحكى أن فلاحاً زار أحد الفلاسفة في بيته، وصادف وقت مجيئه وقت الغداء، فأصرَّ الفيلسوف على أن يجلس ضيفه إلى مائدة الطعام. لبّى الفلاح الدعوة، وعندما تناول طبق الحساء بين يديه، لمح فيه حشرة صغيرة. ورغم اشمئزازه، أكل ما في الطبق لأنه كره أن يُحرج الفيلسوف!
عاد الفلاح إلى بيته وهو يشعر بالقرف، ولم ينم ليلته تلك من شدة الألم في بطنه، معتقداً أنه ابتلع الحشرة. وفي الصباح الباكر قصد بيت الفيلسوف، باحثاً عن دواء يشفيه من أوجاعه.
لكن المفاجأة كانت عظيمة حين أخبره الفيلسوف أنه لم يكن في الطبق أي حشرة، وإنما ما رآه مجرد انعكاس لرسمة على السقف ظهرت في الحساء.
أخذه الفيلسوف إلى غرفة الطعام، وسكب له طبقاً آخر، وقال له: «انظر جيداً، هل ترى حشرة؟» أجاب الفلاح: «لا».
فأخذ الفيلسوف الطبق ووضعه تحت الرسمة على السقف، وإذا بانعكاس الصورة يظهر نفس المشهد الذي أخاف الفلاح ليلة كاملة.
والأغرب أن الألم في بطن الفلاح زال فور معرفته بالحقيقة!
يقول ابن سينا: «الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء».
هذه القصة تكشف لنا خطورة الأوهام التي نصنعها في عقولنا، وكيف يمكن لعقلنا أن يقودنا إلى الألم والمعاناة فقط لأننا صدقنا فكرة لم نتحقق منها. الوهم لا يجرح أجسادنا فحسب، بل يسجن وعينا، ويُبعدنا عن إدراك الواقع كما هو، فنُبني قراراتنا ومشاعرنا على صورة مشوهة لا وجود لها.
خطوة الوعي هي بداية التحرر
عندما ننتبه لما يحدث في عقولنا، ونسأل أنفسنا، «هل ما أعتقده حقيقة أم مجرد انعكاس؟» عندها فقط نكسر سطوة الخوف، ونختار بوعي كيف نتصرف. الأوهام تسلبنا القوة، أما الوعي فيعيدها إلينا.
تذكّر دائمًا، قبل أن تتألم من شيء، تأكّد من وجوده أولاً في الواقع، لا في خيالك.