السلاح والعقل : أيهما الزينة الحقيقية؟

(ج2) الدعم القرآني لفكر الدولة والسلم والمقاومة الحكيمة

بقلم السيّد حيدر الأمين

يُجسد القرآن الكريم منهجًا متوازنًا في موضوع السلم والحرب والدولة، حيث يؤكد على الحق المشروع في الدفاع عن النفس والوطن، مع ضرورة ضبط النفس وعدم الاعتداء: يقول تعالى في كتابه الكريم: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة: 190)

فالمقاومة حق مشروع عندما يُعتدى على الأرض والعرض، لكن يجب أن تكون ضمن ضوابط الشرع التي تمنع التجاوز والعدوان. ويحث القرآن أيضًا على حفظ السلم واللجوء إلى الصلح متى ما توفرت الظروف: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَٱجْنَح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ” (الأنفال: 61).

فلا مكان للفوضى أو الحروب العبثية التي تزرع الفرقة في صفوف المجتمع.

أما العقل فهو الزينة الحقيقية للرجل، وهي القيمة التي كرّسها الإسلام عبر تأكيده على طلب العلم والحكمة: “وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا” (طه: 114).

ووجّه المؤمنين إلى احترام الأنظمة والقوانين للحفاظ على وحدة المجتمع: “يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱطِيعُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا ٱلرَّسُولَ وَأُولِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ ۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُم فِی شَیۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ” (النساء: 59).

فالمسألة ليست قوة السلاح وحدها، بل قوة العقل والالتزام بسلطة الدولة وروح القانون.

وأخيرًا، يحث القرآن على الوحدة ورفض التفرقة التي تضعف المجتمع: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103).

وهو ما يعكس جوهر رسالة الإمام موسى الصدر في وحدة الطوائف والقوى اللبنانية تحت مظلة الدولة.

إذن لا يمكن للسلاح أن يكون زينة إذا غاب العقل، وإذا خرج عن إطار الدولة ومؤسساتها. فالعقل هو الضامن الحقيقي لاستخدام السلاح ضمن الحدود التي تحمي وحدة الوطن وأمنه.

في هذا الإطار، فإن الإمام موسى الصدر قدّم لنا درسًا مهمًا: الدفاع عن الكرامة والحق واجب، لكن لا مكان لزمن تسييس السلاح أو التبرير للفوضى المسلحة. في ختام الطرح، يتضح أن السلاح دون عقل ليس زينة، بل عبء. فالسلاح الذي لا يُضبط بعقلانية الدولة يتحول إلى فتنة.

التأكيد على مراجعة الموروثات الوطنية بعقلانية

وجب التأكيد أن المحطات الصعبة التي تمر بها الدولة اللبنانية بعد كل هذه السنين العجاف، تلزمنا بإعادة النظر والتروي في طريقة طرح الموروثات الوطنية، وعدم تمسكنا بها بطريقة منقوصة أو جامدة. يجب أن تُعرض هذه الموروثات على ميزان العقل والمنطق، فنأخذ منها ما يخدم مصلحة الوطن ويعزز وحدته واستقراره، ونتخلى عن كل ما يعارض هذه المصلحة أو يقوض مشروع الدولة ووجودها.

إن حماية كيان الدولة اللبنانية وطوائفها التي ساهمت في تشكيل لبنان بأديانه وتعايشه ورسالته الحضارية، هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع. لبنان الذي كان ولا يزال رمزًا للوئام والتقدم والحضارة، ومدرسة في الوطنية والاعتدال، يجب أن يبقى على نفس الدرب، ملتزمًا بالتوازن والاحترام المتبادل بين أبنائه. فلا مكان لأي فكرة أو سلوك يهدد هذا النسيج الاجتماعي الراسخ، أو يعصف بوحدة الدولة ويقوض مؤسساتها، لأن في ذلك هدمًا لمستقبل الأجيال القادمة.

فما أحوجنا اليوم لإعادة قراءة الشعارات والمقولات بميزان المنطق الوطني لا الانفعال. فلبنان لم يُبنَ إلا بتوازن طوائفه، ووحدة مؤسساته، ولا مستقبل له إلا في ظل دولة عادلة تحفظ كرامة أبنائها جميعًا.

رسالة الختام

في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا العسكرية وتتضخم فيه ترسانات السلاح، يخطئ من يظن أن الأمن يُصنع فقط بالعتاد والقوة النارية. تحت سطوة السلاح الصهيوني المدمّر وتطوّره المستمر، تبرز حقيقة دامغة: من لا يمتلك سرّ صناعة السلاح، ولا يتحكّم في منظوماته، سيظل في موقع ردّ الفعل، لا الفعل، وسيبقى أسير التبعية والعجز.

ومع ذلك، لا يعني هذا الاستسلام أو التخلي عن الدفاع. فالمقاومة حق مشروع، بل واجب، حين يكون الوطن تحت الاحتلال أو التهديد. ولكنّ الدفاع لا يعني الفوضى، ولا يمكن أن يكون عشوائيًا. يجب أن يكون ضمن استراتيجية واضحة، وموازين دقيقة، وضوابط وطنية لا تعرض البلاد والعباد لمصائب كبرى وعواقب لا تُحتمل.

إن من يظن أن السلاح وحده هو الردع الحقيقي، فليتأمل في القرى التي دُمرت، وفي المدن التي هجّرها الخوف، وفي أرزاق الناس التي ضاعت بسبب الفوضى والسلاح المتفلت. السلاح خارج عقل الدولة ووحدة القرار ليس قوة، بل كارثة.

الدولة هي الضامن الوحيد للاستقرار، والعقل هو أداة البناء، والوحدة الوطنية هي الجدار الأول في وجه أي عدوان. أما الانقسام والارتجال، فيفتحان الباب واسعًا للدمار الداخلي والخارجي معًا.

إن الطائفة الشيعية، التي قدّمت الشهداء والعلماء، ليست بحاجة إلى بندقية تخرج عن الدولة لتثبت وجودها، بل بحاجة إلى عقل وطني جامع يصحح الانحراف، ويعيد البوصلة إلى مشروع بناء الدولة لا تقويضها.

فهل يتّعظ من لا يزال يراهن على لغة الحديد والنار، أم أن المكابرة ستقود البلاد إلى مزيد من الدماء والخسائر؟

اخترنا لك