بقلم جان الفغالي
زياد الرحباني لحَّن وكتب أغنيات ومسرحيات ومثَّل.
“حزب الله” لم يبث لحنًا أو أغنية أو مسرحية في إذاعته، “النور”، وفي محطته التلفزيونية، ” المنار”، وكان يمنع أغانيه في الجامعة اللبنانية، وعندما توفَّى نعاه و”مشى في جنازته”، كيف ينعاه؟ وهو الذي لا يؤمن لا بفنه ولا بالفن عمومًا؟
يقول “الحزب” في بيان النعي: “إن رحيله خسارة لقامة فنية وطنية مقاومة، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والحب والإبداع. إن الراحل الكبير زياد الرحباني جسّد، من خلال فنه ومواقفه، نموذجًا للفن الهادف في خدمة الوطن والإنسان، ورسم من على خشبة المسرح صورة الوطن الذي يحلم به كل إنسان، وطن الكرامة والوحدة والعيش المشترك”.
هل يؤمن “حزب الله” بما نعتَ به زياد الرحباني؟
زياد الرحباني ينتمي إلى “الحزب الشيوعي”، فما هو موقف”حزب الله” من “الحزب الشيوعي”؟ وكيف ترجم هذا الموقف؟ حين قرأ الشيوعيون نَعيَ “حزب الله” لزياد الرحباني، عادت بهم الذاكرة إلى تصفية مفكرين وقادة شيوعيين، ولم تكن تهمة التصفيات بعيدة عن “حزب الله”.
تمت تصفية “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” (جمول) التي أطلقت “المقاومة” ضد إسرائيل، وكانت عمليتها الأولى في مقهى “الويمبي” في الحمرا، على يد الشيوعي خالد علوان، (وتمت تصفيته لاحقًا عام 1985 على يد ه.ن.) والشهيد جورج حاوي، الذي كان الأمين العام للحزب الشيوعي، هو الذي كتب بيانها الأول. وبعد هذه التصفية بدأت رويدًا رويدًا “حصرية المقاومة” بـ “حزب الله”.
يروي هذه الاغتيالات القيادي في الحزب الشيوعي كريم مروة في كتابه “فصول من تجربتي”، فيقول: “كان من أبرز الصدمات ما ووجهنا به من رفض مهذب من قبل “حزب الله” للعمل المشترك في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بقرار ضمني ومعلن من الوصاية السورية التي كانت قد قررت حصر المقاومة بـ “حزب الله” دون سواه. جاء ذلك الرفض من خلال ثلاثة لقاءات أجريناها مع ثلاثة أمناء عامين لـ “حزب الله” هم الشيخ صبحي الطفيلي، والشهيد السيد عباس الموسوي، والسيد حسن نصرالله”.
وكان غازي كنعان في جلسة شهيرة مع جورج حاوي والياس عطاالله، أراد فيها منهما إبلاغه بكل العمليات العسكرية ضد المحتل قبل تنفيذها. اتخذ القرار، ونفذ عبر مخابراته مع “أمل” ولاحقًا مع “حزب الله”، قرار تحجيم دور الشيوعيين، عبر إطلاق النار عليهم من الخلف .
حُزن “حزب الله” على زياد الرحباني “فتَّح جروح” الشيوعيين وأماط اللثام عن ذاكرتهم. من اغتيال أحد عقول ومنظري الحزب البروفسور في الفلسفة حسن حمدان، الذي عُرِف بـ “مهدي عامل”، في أحد شوارع بيروت، هو في طريقه إلى الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول في 18 أيار 1987، ورفضت مراجع شيعية إقامة صلاة الجنازة على الراحل لأنه شيوعي، وصُلي عليه في مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة.
هكذا تمّ تشييع ابن حاروف الجنوبي، الشيعي الشيوعي، في مسجد للطائفة السُنيّة. قبله اغتيل حسين مروة ثم كرت سبحة الاغتيالات من الطبيب لبيب عبد الصمد والصحافي سهيل طويلة، وخليل نعوس، وآخرين، وصولًا إلى اغتيال جورج حاوي ثم سمير قصير.
غريب أمر “حزب الله!” هل إلى هذه الدرجة يعتبر أن ذاكرة اللبنانيين مسَّها عفنٌ؟