بقلم كوثر شيا
في الأول من آب 2025، يحتفل لبنان بالذكرى الثمانين لتأسيس جيشه، وسط تحديات جسيمة وظروف وطنية حساسة. لكنّ هذه الذكرى لا تمرّ كأي مناسبة رسمية. بل هي لحظة تأمل عميق في معنى الانتماء، في دور الجيش كصمّام أمان، وفي قدرتنا كلبنانيين على إعادة بناء وطن منهك، استنزفته الانقسامات.
الجيش اللبناني ليس مجرد مؤسسة عسكرية. إنه ذاكرة حية لوطنٍ قاوم التفكك، وهوية جامعة تتجاوز كل تصنيف طائفي أو حزبي. إنه ذلك الصوت الصامت الذي لا يعلو على صوت الناس، بل يتماهى معهم، يتألم لألمهم، ويحرسهم بصمت.
الجيش اللبناني: جسر بين القلوب لا بين الخنادق
في وطن تتعدد فيه الطوائف والانتماءات، يُشكّل الجيش مساحة نادرة يلتقي فيها اللبنانيون دون شروط. لا يسأل الجندي عن طائفة المنكوب، ولا عن معتقد الضحية. بل يمدّ يده، وينقذ، ويعيد الأمل.
هذه الروح الجامعة لا تأتي من شعارات فقط، بل من تاريخ طويل من التضحيات في كل المناطق، ومن داخل كل بيت. فكل عائلة لبنانية تقريبًا قدّمت ابنًا أو قريبًا أو صديقًا للجيش. هذه المؤسسة هي نحن، بكل تنوّعنا وتناقضاتنا وأحلامنا.
إن ما يميّز الجيش اللبناني هو التزامه بوحدة الأرض والشعب، بعيدًا عن الاصطفافات. ومن خلال قيادته التي تراعي التوازن الوطني، يحافظ الجيش على صورته كحامٍ لا كطرف.
أمام مفترق الطرق: لحظة صدق وقرار وطني جامع
ما نشهده اليوم من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية يجعل من عيد الجيش فرصة لا لمجرد التبريك، بل لطرح سؤال جوهري: أيّ لبنان نريد؟
هل نرضى بأن تبقى السلاح خارج إطار الدولة، وأن تستمر الفوضى؟
أم نؤمن، كما آمن من سبقنا، بأن لا كرامة لوطن دون سيادة موحّدة، ولا أمان دون جيش يحمي الجميع بعدالة؟
نحن لا ندعو إلى مواجهة، بل إلى مصالحة وطنية شجاعة. مصالحة تعترف بألم الماضي، لكن لا تبقى أسيرته. نحتاج اليوم إلى حوار جامع، تُفتح فيه القلوب قبل القوانين، وتُطرح فيه قضية السلاح من منطلق حماية الوطن، لا كسر طرف.
جيشنا يستحق أن نمنحه الثقة والقدرة
الجيش لا يستطيع أن يقوم بدوره كاملاً إن لم ندعمه نحن، كمواطنين وكمؤسسات.
• نحتاج إلى تعزيز موارده وتمكينه تقنيًا وإنسانيًا.
• نحتاج إلى أن يكون الصوت السياسي داعمًا له بصدق، لا حين تقتضي الحاجة فقط.
• نحتاج إلى إعلام يُنصفه، ويروي قصص أبطاله الذين ينامون في البرد ويحرسون حدودًا لا يصلها الضوء.
كما أن عناصر المجموعات المسلّحة هم أولاد هذا الوطن. وفي كثير من الأحيان، حملوا السلاح بدافع القهر أو الغضب أو الغياب. لذا، فإن أي حلّ يجب أن يراعي كرامتهم، ويمنحهم فرصة حقيقية للاندماج في مؤسسات الدولة، وخاصة في الجيش، أو في قطاعات اقتصادية واعدة.
من الذاكرة إلى الأمل: نكتب فصلاً جديدًا معًا
ثمانون عامًا مرّت منذ تأسيس الجيش، وهو ما زال شامخًا رغم الصعوبات. ولكن، في عيده هذا، لا تكفي الاحتفالات إن لم نترجم حبّنا له إلى مشروع وطني جامع.
دعونا نحلم سويًا بوطن يكون فيه الجيش هو الحامي الوحيد، لا لأنه يفرض القوة، بل لأنه يحمل الثقة.
بوطن لا يُربّي أبناءه على الخوف من الآخر، بل على الشراكة.
بوطن يُكرّم مقاومي الاحتلال، ويُكرّم أيضًا من آمن بأن الدولة وحدها هي درع المواطن.
نداء عيد الجيش: فلنعد إلى الدولة، ولنبدأ من الجيش
في هذا اليوم، فلنُطلق مبادرات وطنية تعبّر عن الامتنان للجيش:
• أن يُعلن عام 2025 عام المصالحة الوطنية وإعادة بناء السيادة.
• أن تُكرّم عناصر كل الفصائل التي تختار الانضمام إلى مشروع الدولة.
• أن نطلق صندوق دعم دائم للجيش من الشعب، خارج التجاذبات السياسية.
فكلنا في النهاية أبناء هذا البلد، وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا.
ختامًا… يقول أحد الجنود في الجنوب: “نحن لا نحمي الأرض فقط، بل نحمي الأمل”.
وفي عيد الجيش الثمانين، لن يكون الأمل كلمات في نشرة أخبار، بل مشروعًا نكتبه بأيدينا كلبنانيين.
“القرار اتُخذ: السلاح يجب أن يكون في يد الدولة وحدها. الدولة التي نحلم بها جميعًا.” الرئيس جوزيف عون