أُقرّ مؤخرًا مشروع القانون الرامي إلى تنظيم القضاء العدلي في لبنان، في خطوة من المفترض أن تُشكّل مدخلًا أساسيًا لإصلاح السلطة القضائية، وتحقيق الاستقلال التام للقضاة، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات.
وقد عُلّقت آمالٌ واسعة على هذا القانون باعتباره بوابة لاستعادة ثقة المواطنين اللبنانيين بعدالة غابت طويلًا تحت وطأة النفوذ السياسي والارتهان الطائفي.
غير أنّ المادة 42 من القانون شكّلت مفاجأة صادمة في مضمونها وصياغتها، إذ منحت النيابة العامة لدى محكمة التمييز صلاحية كفّ التعقبات ووقف أي ملاحقة عامة، حتى ولو كانت الدعوى في مراحل متقدمة، سواء أمام محكمة الاستئناف، أو النيابة العامة المالية، أو حتى النيابة العامة العسكرية.
وما يثير القلق أن هذه الصلاحية لم تكن واردة في أي من النسخ السابقة لمشروع القانون، بل أُدرجت بشكل مفاجئ في النص النهائي، ما يطرح علامات استفهام حول نوايا مبيّتة تهدف إلى تمرير بند يضرب جوهر الاستقلال القضائي، ويُكرّس مبدأ الإفلات من العقاب تحت عنوان “الإصلاح”.
وفي تصريح خاص لـ”بوابة بيروت”، علّق المحامي الأستاذ حسن عادل بزي على المادة 42، معتبرًا أن مشروع القانون بمجمله يُعدّ خطوة متقدمة في اتجاه الفصل بين السلطات، إلا أنّ هذه المادة تمثّل “ضربة قاتلة لرئة التمييز القضائي”.
وقال بزي: “لا شكّ أنّ القانون يحقّق تقدمًا ملحوظًا في مجال تعزيز الاستقلالية القضائية مقارنة بالنظام السابق، غير أنّ السلطة السياسية، كما جرت العادة، لا تُقدّم إصلاحًا كاملًا، بل تُمرّر السمّ في العسل. فالمادة 42 تعني ببساطة أنّ النائب العام لدى محكمة التمييز بات المرجعية الوحيدة التي تملك القرار في شأن مصير أي ملاحقة عامة، بغضّ النظر عن الجهة التي باشرتها.”
وأوضح: “لنفترض أن النيابة العامة العسكرية تُلاحق متهمًا بجرائم إرهابية مثبتة، أو أن النيابة العامة المالية تُجري تحقيقًا مع مسؤول سياسي متورط في قضايا فساد أو إثراء غير مشروع… في كلتا الحالتين، يملك النائب العام التمييزي سلطة وقف الملاحقة بكلمة واحدة، ما يجعله في موقع الحاكم والحَكَم، ويُحوّل باقي النيابات العامة إلى مجرد أدوات تنفيذية.”
وأضاف: “الأخطر من ذلك، أن النائب العام التمييزي يُعيَّن من قبل مجلس الوزراء، أي من قبل السلطة السياسية ذاتها التي يُفترض أن يُشكّل القضاء سلطة مستقلة عنها. وبالتالي، فإنّ هذه الصلاحية تُكرّس عمليًا خضوع الملاحقات القضائية لميزان القوى السياسية.”
وختم بزي تصريحه بدعوة صريحة للطعن بالمادة 42 أمام المجلس الدستوري، قائلًا: “الفرصة متاحة اليوم أمام ما لا يقل عن عشرة نواب لتقديم طعن دستوري يهدف إلى إبطال هذه المادة أو تعديلها، بما ينسجم مع مبدأ الفصل بين السلطات وضمان استقلالية القضاء. وإلّا، فنحن أمام تشريع يُكرّس حكم الرجل الواحد داخل الجسم القضائي، ويُجهِض كل مسعى جدي للإصلاح الحقيقي.”