قارئي العزيز… أنت عنوان مقالتي

كتبت مهى الدمشقي علم الدين

بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠

انت لا تعرفني، لكني موقنة اني اعرفك.

انت تشبهني توجّهاً وتوجّعاً، يأساً ورجاءاً.

عدت الى الصفحة اليوم لأني وعدت الأصدقاء القيّمين عليها بمساهمة جديدة بعد قطيعة مع الذات لزمت فيها الصمت عن الكلام والمشاركة والكتابة، قبلها كنت ساهمت بمقالتين عن تفجير المرفأ والفراغ الرئاسي…
واذا بالفواجع تتوالى…
من اصغر تفاصيل حياتنا اليومية الى اكبرها…
“المأساة ارتفعت ..…
وسعت…بلغت حدّ الصلب…!”

هكذا وصّفوا الرحابنة الحال في “جسر العودة”

وهذه الفسحة ستكون لي جسر عودة الى “الفعل” وانكفاءاً عن كل “رد فعل”.

وضعت جانباً فلسفات علم الاجتماع مجال تخصصي، وكذلك تجربتي الفريدة الثرية الى جانب زوجي الدبلوماسي اللبناني الصلب الذي لم يتزعزع ايمانه واعتزازه بلبنانه وطناً للريادة والوحدة في التعددية، حتى في احلك ظروف الحرب الاهلية والانقسام، وبقي في خدمة لبنان المقيم والمغترب لأكثر من واحد وثلاثين عاماً معتزاً مشهراً بصمة لبنان الثقافية الحضارية في كل محضر وموقف وفعالية…

لذا قررت استخلاص اسمى والطف ما استجمعت حتى الآن اضعه بين اياديكم دون عنوان لأننا معاً” كلنا نقدر..دوما نقدر”.

فلنساعد انفسنا وبعضنا البعض بصدق وتجرد على فهم مسببات المحن العاتية التي عصفت بنا حتى الآن، لنفهم إن كانت بأكثرها نتيجة عبثية ادائنا ومحدودية رؤانا وتشوّه قيمنا المعيارية، كونها بدّدت طاقاتنا وقزّمت احلامنا وهزمت أجيالنا الطالعة لأكثر من نصف قرن..

نحتاج ان نعيد التوازن المعنوي والوطني المكسور بل المفقود بكل ما اوتينا من فكر ابداعي خلاق لنجترح معاً خطة استنهاض شاملة توقف الاستهتار والتسيّب المتمادي في استباحة كرامة الإنسان وحرمات الوطن ونحتاج طبعاً ان يديرها قائد موثوق.

أمس وبمناسبة العيد الثمانين لتأسيس الجيش اللبناني دعانا الرئيس المنتخب والمؤتمن على الجمهورية والدستور، في تعهّده المتجدد، لنصبّ ايادينا وقلوبنا وعقولنا في يديه وقلبه وعقله الدولتي المؤسساتي …

بعد عقود من الانفصام في الهوية والولاء والانتماء، ومن التخبط المجتمعي والهدر المتكرر لفرص اصلاح منهجي طارئ يبدأ وينتهي بدولة القانون وبالعدل والمساواة…

آن الأوان… علينا جميعاً ان نهبّ ملبيين النداء العاجل والملحّ…حرصاً على ما تبقى لنا من مكتسبات وإرث حضاري نتركه للأحفاد وفلذات الأكباد…

لا يمكن ان نرتضي عيشاً تؤول الحرية المقدسة فيه الى فوضى دماغية لا الى مزيد من المسؤولية والشفافية، لا يمكن ان نرتضي ان كل ما آمنا بأهميته وانتفضنا وضحّينا لأجله وثُرنا وقاومنا بأغلى ما عندنا لتحقيقه وتثبيته، هو حلم ليلة صيف ولّى أو ان دماءنا ماء ..وكلمتنا حبر على ورق وحقنا بالعيش السوي سقط وانسرق !!!…

فنحن اكثر من أي وقت مضى بحاجة ان نكون معاً وان نثق بأننا نقدر…لأننا بوعينا نقدر وبتعاطفنا ننجح ، وبالخَلق وحده يمكننا ان نتحدى ونتخطى ذواتنا.

نعم
الوعي هو الكينونة لِذاتنا وللكون

نعم
التعاطف هو الشعور بالدفء العميق الموسّع لإنسانيتنا وقيمها المحبة والحق والعدل والجمال

نعم
الخلق هو الفعل النابع فقط من الفكر الهادئ الصافي…

انها الاقانيم الثلاث شروط الابداع… “المبدع يجب ان يكون انا انتم ونحن”.

المبدع هو من يملك الرؤية والهدي الداخلي ويرى الأشياء كما لم يرها احد قبله، هو المغاير لنمط العيش والفكر التقليدي السائد حوله…

وهو تماماً اول ما يتطلبه لبنان للانتقال الى شاطئ الأمان، واغلى ما يملك ويصدر للعالم اجمع، فإبداعات اللبنانيين المهجرين قسراً من وطنهم، تشرق على العالم من مغارب الأرض حيث يتواجدون…

كيف نوقف هذا النزف القاتل؟! بالانتقال من التقليد الى التجديد.

انتقال اول ما يتطلبه الابداع بعد موقف المبدع في نظرته الى ذاته وقدراته الخاصة، بحيث تتحرر شخصيته الخلاقة من المسايرات والتنازلات المبدئية التي تتم لصالح الروحية السائدة، فتجد طريقتها الخاصة في تجسيد ابداعها لتحدث النقلة التغييرية النوعية في محيطها، وحدها النقلة التغييرية النوعية تداوي جراحاتنا المعنوية والمادية من صراعات الداخل والخارج، والمتوالدة من تحجر الأفكار وتيبّس المواقف وزيف المشاعر واللامبالاة… نقلة فعل بعيداً عن رد الفعل

آن لأصحاب الرؤية والعزم، أن تصبح رؤيتهم وجهتهم، ووجهتهم أفكارهم، وأفكارهم أعمالهم، وأعمالهم ثمارهم في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها، لاستنهاضها قبل فوات الأوان …

وما العمل الا نتاج الطاقة الخلوقة الكامنة والمتجددة التي انعم الله بها على كل منا…على شكل مغامرة أولى للعقل، مبعث الإرادة الواعية التي منها ينبثق “حي العمل”…

لبناننا، لا يزال يقف على عتبة الماضي، متنكراً تشريعياً وحقوقياً للطاقة المؤنثة، مستهيناً بفعلها في البناء الافقي ومحوره العقل العاطفي limbic brain ومرتكزه “الذات, the Self “ التكافلية- التكاملية…

لبناننا، لا يزال يقف على عتبة الماضي، معتدّاً بالطاقة الذكورية، مزهوّاً بفعلها في البناء العامودي ومحوره العقل التركيبي ومرتكزه “الانا the Ego ” التنافسية-الإلغائية..

فيما المجتمع ، أي مجتمع، هو “رجل وامرأة” يتكاملان بالدور والمحضر، ويتساويان في العقل والجوهر ، ولن يكتمل هذا الا بذاك ولن يكتمل عيشنا وبلدنا واداؤنا الا بإعادة التوازن.

التوازن هو الكمال، نصله تباعاً بتصحيح الاختلال الحاد والاعتلال المزمن على كافة مستويات ومسارات المواطنية الحقوقية خطوة خطوة يومياً بالاتجاه الصحيح، فنجدد ما تعفن في انساقنا الثقافية ونحدّث ما ضحل في نظمنا وانماطنا المجتمعية لنسهّل انصهار كل القوى الخلوقة الحية في معون الوطن-الدولة والمؤسسات، بكل الافراد والجماعات في مساواة بالحقوق والواجبات، دون تمييز او تفضيل الا للكفاءة والأداء الارفع والاسمى…

حياتنا الفردية والجماعية ليست تجربة عيش عشوائية تحصل لنا.

حياتنا إرادة خالق وروح تواقة لإعادة تشكيل جليلة شيقة اشركنا فيها الله، في تجميل الوجود ، بالقدرة وبالمحبة، وتحصل من خلالنا، فلنصنها ولنحترمها لنستعيد انسانيتنا الحقة، عندها يمكن لنا استعادة كل حق منقوص في كرامة عيشنا وسويّته.

اخترنا لك