هذه هي خطّتي “السياحيّة”

بقلم عقل العويط

تريدون سياحةً ناجحة تجعل لبنان في مصاف الدول الأكثر جذبًا للسيّاح في العالم؟!

خذوها منّي، إذًا، لكنْ بأسلوبي، وعلى طريقتي المخالِفة للمتعارَف عليه سياحيًّا: إعلان لبنان مقرًّا عالميًّا للسياحة العقليّة، ومن الألف إلى الياء، ومرورًا بكلّ الحروف الأبجديّة، وأخذًا في الاعتبار معايير الفتح والضمّ والكسر والتنوين والممنوع من الصرف وجمع التكسير وجمع المؤنّث السالم، وشقيقه المذكّر السالم، وإلى آخره.

يقتضي البند الاوّل من هذه السياحة العقليّة، أنْ تُسحَب من المشهد الأماميّ، من الصورة الأماميّة، وتوضَع في الكواليس ووراء الستار، ثقافةُ الترويج المنعدمة الذكاء والموهبة والذوق والكياسة، وأقصد ثقافة الكيتش والتسليع والتسطيح والاسترخاص والبشاعة والاستعراض والاستعراء وتتفيه الجمال وتمريغ الجوهر.

يتضمّن هذا البند الأوّل والوحيد لزوم الكفّ الفوريّ عن التغنّي الإنشائيّ السخيف والمثير للشفقة بـ”سويسرا الشرق”، بحيث لا يعود الترويج للسياحة في لبنان مرتبطًا بهذه الصورة المبتذلة التي تفيد المقارنات البسيطة بأنّها فارغة شكلًا ومضمونًا.
ليس ثمّة “سويسرا الشرق” في لبنان، الآن. إذ لم يعد هناك لا سويسرا ولا شرق.

وعليه، يجب أعلان “حال الطوارئ”، وفورًا، وعلى المستويات كافّةً، لفرملة اللغة الخطابيّة التمويهيّة والمريضة والشوفينيّة التي تستولي على جوانب الوجود والعيش برمّتها، من الحكم إلى السياسة إلى المجتمع فالاقتصاد فالأمن فالإعلام فالصحافة فالثقافة، وصولًا إلى النخاع الشوكيّ للفكر.

لم يعد أحدٌ في العالم يصدّق هذه الطريقة “اللبنانويّة” التي باتت تثير الاشمئزاز والازدراء، وتنفّر الناس من لبنان ومن اللبنانيّين.

بناءً عليه، فلتتفرمل شعارات التكاذب السياسيّ والاجتماعيّ والطائفيّ، وكلّ ما يتّصل بالتبجيل المتخابث لعواطف المحبّة والتآخي و”العيش المشترك”، و”العيش معًا”، واللغو الممجوج والمتواصل واللامجدي حول مستلزمات الإصلاح وحصر السلاح في يد الدولة.

وإذا كانت “النهار” تعدّ ملفًّا سياحيًّا لترويج الازدهار والبحبوحة والأمان، فإنّه لجهدٌ ممتاز، شرط أنْ لا يقع هذا الجهد في “ثقافة” الكيتش والإنشاء اللفظيّ.

التبّولة طيّبة، بالطبع، والكبّة، والزلغوطة، والدبكة، والمهرجانات، وآثار بعلبك، وصيدا، وصور، وجبيل، وطرابلس، والأرز، و… السياحة الدينيّة.

لكنّ ذلك كلّه لا يساوي من حيث القيمة أكثر من واحد في المئة من مردود السياحة العقليّة، التي تتطلّب التوقّف الفوريّ عن الضحك، بعضنا على ذقون بعض، وعلى ذقون العالم، كمثل مَن يمشي مع الماشي، ويقف مع الواقف، ويجلس مع الجالس، ويسكت مع الساكت، ويصفّق مع المصفّق، وينام مع النائم.

والنتيجة؟ ما النتيجة؟

أنّ لبنان مصنّف في مقدّم الدول الأشد تعاسةً في العالم.

وأنّ الأكثرية الساحقة من عنصره الشبابيّ، إناثًا وذكورًا، هشلت من لبنان، ومَن تبقّى منها يواصل البحث عن سبيل ليهشل بنفسه قبل فوات الأوان.

أدعو إلى إعلان حال طوارئ لوضع خطّة عملانيّة وتنفيذيّة للسياحة العقليّة، من طريق مخاطبة العقل.

وهذه هي خطّتي: بدل أنْ يتلهّى الحكم والعهد والحكومة ومجلس النوّاب وأمراء الأحزاب والطوائف والجيوش الألكترونيّة، بالسفسطة والثرثرة والحروب اللفظيّة والتقاط الصور المبتهجة في الحفلات والمناسبات الاجتماعيّة… فليوضع خطاب القسم الرئاسيّ والبيان الوزاريّ للحكومة موضع التطبيق الفوريّ على جدول أعمال هذه السياحة العقليّة.

تريدون سياحةً؟ خذوها منّي: هذه هي السياحة الوحيدة التي تنجّح السياحة!

اخترنا لك