بقلم بلال مهدي
في زمن تتكالب فيه قوى الخراب على وطنٍ جريح، لا حاجة للبنانيين أن ينظروا خارج الحدود ليدركوا مصدر الخطر. فالخطر الحقيقي لم يعد يأتي فقط من العدو الصهيوني، بل من الداخل، من أولئك الذين اختطفوا القرار الوطني، وحوّلوا لبنان إلى قاعدة عسكرية بيد إيران، يلوّحون بالسلاح كلما خسروا ورقة سياسية.
مرتزقة “الولي الفقيه” في لبنان، من “حزب الله” إلى أدواته داخل الدولة. يجرّون البلاد نحو الفوضى المدفوعة مسبقًا، ويلوّحون بتفجير السلم الأهلي إن هُدِّد احتكارهم للقرار والسلاح. هؤلاء لا يقاتلون من أجل كرامة لبنان، بل يدافعون عن أجندة طهران وأوهام “المحور” الذي أثبت أنه مقاومة لكل ما هو لبناني، إلا العدو الصهيوني.
أي حديث عن “مخاطر أمنية” في حال طرح ملف السلاح على طاولة الحكومة، هو ابتزاز مفضوح. بل هو تهديد صريح مفاده، “إما أن تصمتوا وتُسلموا لنا الدولة، أو نحرقها عليكم.” هذه ليست مواقف سياسية، بل بلطجة حزبية صريحة، تُمارسها أقلام مأجورة، لم تعرف يومًا طعم الدولة أو معنى السيادة.
كيف يُعقل أن يُهدَّد البلد بحرب أهلية لمجرد أن الحكومة تُفكّر بطرح قضية السلاح غير الشرعي؟ بأي منطقٍ يُمنع أربعة وزراء من حضور جلسة، فقط لأن موضوع النقاش لا يرضي “الحزب”؟ وهل بات الوزراء مجرد موظفين في مكتب الارتباط والتنسيق التابع للحرس الثوري؟
لنكن واضحين، من يتحدث عن “فتنة” إذا نوقش موضوع السلاح الغير شرعي، هو من يُخطّط للفتنة، وهو من يمهّد للاقتتال عبر ترهيب الإعلام، وتخوين السياسيين، وتفجير الأمن متى احتاج لذلك.
ما لم تفعله “إسرائيل” العدوة خلال عقود، قد تفعله ميليشيات الداخل بأوامر خارجية. والهدف واضح، تدمير ما تبقى من لبنان، لصالح دولة مذهبية وظيفتها حماية مشروع الملالي في المنطقة، على أنقاض شعبٍ اختُطف مرّتين، مرّة باسم المقاومة، ومرّة باسم الطائفة.
أما المحكمة العسكرية التي تحكم باسم “الثنائي”، فهي تجسيد واضح لسقوط القضاء تحت سيف الميليشيا، حيث يُبرّأ قتلة الجندي الإيرلندي، ويُلاحق الصحافيون وناشرو الرأي، ويُستدعى كل من لا يركع للسلاح.
كفى دفنًا للرؤوس في الرمال. من يُهدّد لبنان اليوم ليست المعارضة المدنية ولا الغرب ولا العقوبات، بل هو الحزب الذي بات أكبر خطر على السلم الأهلي. الخطر الحقيقي هو هذا الكيان المسلح الذي لا يعترف بدولة ولا بدستور، ولا يفهم إلا منطق القوة والدم.
ولمن يتباكى على “الضغوط الدولية”، لذلك نؤكد مجددًا أن لبنان لا يُحمى بالانبطاح أمام “حزب الله”، بل بقول الحقيقة، وباستعادة السيادة، وبنزع السلاح الغير شرعي الذي حوّل الجنوب إلى متراس، والضاحية إلى دويلة، والدولة إلى نكتة.
إلى متى ننتظر؟ إلى أن يُفرض علينا “حاكم عسكري” من الضاحية؟ أو إلى أن يُقسم لبنان رسميًا بين دولة عاجزة ومزرعة مسلحة؟
الوقت ليس للوساطات ولا للتوازنات، بل لمواجهة. فإمّا أن تكون الدولة، أو لن يكون لنا لبنان.