كتبت خلود وتار قاسم
–
#بوابة_بيروت تنشر #مشروع_ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في #٤_آب ٢٠٢٠
في كل عام، حين يطرق الرابع من آب أبوابنا، لا يمرّ كأي يوم. يأتي مثل صفعة على وجه الوطن، صفعة بحجم مدينة، بحجم وطن ضاق بأوجاعه حتى انفجر حرفياً، تمامًا كما انفجر مرفؤه في ذلك اليوم المشؤوم من عام 2020.
لا أعلم، كيف يمكن لبلد أن يتحمّل هذا الكم من الفواجع؟
كيف لشعب أن يلتقط أنفاسه بين كارثة وأخرى، فإذا به ينهض، بالكاد واقفًا، حتى تعاجله صفعة جديدة، استحقاق مجحف، انفجار، حرب، أو أزمة مالية تخنقه، ثم يُطلب منه مجددًا أن “يصمد” وكأن الصمود وحده هو السياسة البديلة؟
كما قالت فيروز: “يا دارة دوري فينا…” فندور معها كالعميان في زواريب هذا النظام، نفتّش عن مخرج، عن زاوية ضوء، عن بصيص حقيقة، لكن الحقيقة تُدفن تحت الركام، تحت الرماد، وتُغتال كلما اقتربنا منها.
يقول زياد الرحباني: “بهالبلد في ناس بتنام على مجزرة وبتفيق على طائفية!”
وهذا تمامًا ما نعيشه. كلما وقعت مصيبة، تفتّق وعينا الجمعي نحو بعضنا البعض، لا نحو الجلّاد الحقيقي. نمارس جلد الذات والآخر، ونغرق في فوضى الاتهامات والانقسامات. يُضحكنا زياد في عمق مأساتنا حين يقول: “صار لازم نروح نلعب برا… نحنا صرنا نضحك عالمصيبة!”
لكن المصيبة لا تُضحِك، المصيبة تقتل.
من فجّر المرفأ؟
من قتل أكثر من مئتي إنسان في دقائق؟
من شرّد الآلاف؟
من جعل قلب بيروت حفرة من غبار ودمار؟
لماذا لا نعرف حتى الآن؟ أو بالأحرى… لماذا لا يُسمح لنا أن نعرف؟
نعيش في مسرح للدمى، حيث تتحكّم بنا قوى خفية، داخلية وخارجية، تمسك بالخيوط وتحركنا كيفما تشاء. تسلّط علينا ظلالها وخفافيشها، فتمنع العدالة، وتشتّت الحقيقة، وتحوّلنا إلى “كومبارس” في رواية كتبها غيرنا عنّا، ومن دوننا.
اليوم، وبعد خمسة سنوات، لا يزال القاتل حرّاً، والعدالة أسيرة، والمرفأ بلا نبض. وبيروت؟ تبكي، لكنها لا تموت. تحاول أن تنهض رغم كل شيء. لكننا، نحن، الشعب، ماذا نفعل؟
نُرهَق من الحروب، نُغرق في الأزمات، ثم نجد أنفسنا منقسمين حتى على الحقيقة، حتى على الدم. كل فريق يحاول أن “ينفُد بريشه”، كما نقول في لهجتنا، غافلين أن ما من أحد سينجو إن لم نتوحّد. فالمعركة الآن ليست بيننا، بل ضدنا كلنا.
يقول زياد أيضًا: “ما حدا بيقتل حدا ببلد ديمقراطي… بيخلّوه يموت لحالو.” ونحن، نموت ببطء، كل يوم، كل ساعة، كل ذكرى مؤلمة. لكن… هل نيأس؟ لا أعلم.
أحاول كل صباح أن أُمسك بخيط رجاء، أصلي عند الفجر، وأرفع عيني إلى السماء، وأسأل الله أن يرسل إلينا من يخلّص هذا الوطن من عبث العابثين. لكن لا أحد يأتي.
نعيش زمنًا خسيسًا، رخيصًا، حيث العهر علني في السياسة، والدبلوماسية، والعدالة. زمنًا يُكافأ فيه الظالم، ويُلاحق فيه المظلوم. ومع ذلك، لن نيأس.
لأن من يعرف بيروت، يعرف أنها تنهض من الرماد. ومن يعرف هذا الشعب، يعرف أن في داخله نارًا لا تنطفئ، فقط تحتاج إلى لحظة صدق… إلى قبضة يد موحدة… إلى وجع واحد يجمع ولا يفرّق.
في ذكرى 4 آب، لا نطلب سوى الحقيقة. ولن نسامح قبل أن نعرفها. فالموت لا يمرّ بلا حساب… إلا في بلادنا.
ولكن، كما قال زياد ذات مرة: “يمكن إذا وعينا شوي، منرجع نكمّل من مطرح ما تركونا، مش من مطرح ما ضيّعونا.”