بقلم جاد الاخوي
في بلد يعاني من انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، يكثر الحديث عن ضرورة “تغيير قواعد اللعبة”، وعن وجوب دخول كل الأطراف السياسية، وعلى رأسها حزب الله، في مشروع إنقاذ وطني على قاعدة المساواة أمام القانون، ومن دون سلاح فوق الدولة.
لكن، هل هناك ما يشير فعلاً إلى أن الحزب يستعد للتواضع السياسي والتخلي عن فائض القوة الذي منحه إياه سلاحه منذ عقود؟
الواقع أن لا مؤشرات فعلية حتى اليوم توحي بذلك. فالحزب لم يراجع خطابه، ولم يُقدم على أي خطوة عملية تشير إلى رغبته في الانخراط الكامل بالحياة السياسية كطرف مدني، بل يواصل تثبيت نفوذه داخل المؤسسات الرسمية، والاستثمار في الفراغ والفوضى لتعزيز هيمنته.
السلاح أولاً
منذ نشأته، لم يكن سلاح حزب الله مجرد أداة “مقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل كان – ولا يزال – وسيلة لتحقيق مشروع سياسي وأمني مرتبط بإيران. هذا السلاح لم يحمِ حدود لبنان، بل استُخدم لترجيح كفة الحزب داخلياً، من إسقاط الحكومات إلى تعطيل الانتخابات، مروراً بحماية شبكات مصالح تتجاوز القانون.
والتخلي عنه يعني، ببساطة، التخلي عن الدور الإقليمي الذي تؤديه إيران عبره، والتخلّي عن القدرة على فرض الشروط في الداخل اللبناني.
فائض القوة لا يزال ضرورياً للحزب
فائض القوة الذي يملكه حزب الله ليس ترفاً، بل هو ضمانته الأساسية للاستمرار. في ظل غياب دولة قادرة على فرض القانون على الجميع، لا مصلحة للحزب في خسارة هذه الورقة التي تمكّنه من حماية حلفائه وتثبيت نفوذه داخل أجهزة الدولة.
حتى الآن، لا يوجد أي ضغط داخلي جدي لنزع هذا السلاح. بالرغم من خطاب قسم رئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة الحالية والضغط الدولي الذي يربط المساعدات بنزع السلاح.
البيئة الشيعية: بين الولاء والتململ
صحيح أن هناك تململاً متزايدًا داخل البيئة الشيعية، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وغياب الأفق، لكن لم يتشكّل بعد بديل سياسي منظم قادر على مواجهة سطوة الحزب. وهذا ما يدفعه إلى مزيد من التشبث بسلاحه، باعتباره ضمانة لبقاء دوره المهيمن.
هل هناك مخرج؟
نزع سلاح حزب الله لا يمكن أن يكون قراراً حزبياً داخلياً. إنه مسار سياسي ووطني طويل، يتطلب شروطاً دقيقة:
• توافق وطني على تطبيق فعلي للدستور واتفاق الطائف.
• ضغط داخلي واسع من قوى مدنية وشعبية عابرة للطوائف.
• تحوّلات إقليمية تضعف من حاجة إيران إلى أذرع مسلّحة في الخارج.
في النهاية، الحديث عن “تواضع” حزب الله اليوم هو أقرب إلى التمنّي منه إلى التحليل الواقعي. لا مؤشرات على تخلي الحزب عن فائض القوة، بل على العكس: يواصل استخدامه لتحصين موقعه وسط دولة ضعيفة ومجتمع ممزق.
الرهان اليوم ليس على تغيير الحزب من الداخل، بل على بناء دولة قادرة، قوية، وعادلة، لا تكون لأي سلاح خارج مؤسساتها شرعية، مهما كانت الذرائع. فلبنان لا يمكن أن يُنقذ إلا إذا عاد معيار السيادة واحدًا للجميع.