وما خفيَّ كانَ أعظم

كتب عمار حيدري

بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠

حين انفجرت بيروت، لم تكن مدينة مستهترة، بل كانت مخزون صراعات وسكوتًا متراكمًا.

أكثر من 218 ضحية، آلاف الجرحى، ودمار لم يُحصَ بالكامل حتى اليوم، قدرت الخسائر المادية بين 10 إلى 15 مليار دولار أمريكي، وتضررت آلاف المنازل والمباني، وأصيبت العديد من المستشفيات والمدارس والبنية التحتية بأضرار بالغة. فالشحنة التي لم تُنقل، انفجرت.

وفي لحظة، تحوّلت العاصمة إلى ساحة حرب، بلا عدو… سوى سلطة أهملت، وقرارات أُخذت بخفة، وسفينة منسية في عنبر رقم 12.

اليوم، مع الذكرى الخامسة لتلك المأساة، ينتظر اللبنانيون قراراً وعد به المحقق العدليّ، قيل إنه سيصدر خلال الأشهر المقبلة، لكن حتى الآن، التحقيقات تقتصر على من له صلة بمواد النيترات منذ لحظة التخزين، ولم تشمل أولئك الذين وقّعوا على إذن دخول السفينة، أو مهّدوا الطريق أمامها.

الحقيقة لا تبدأ من العنبر رقم 12، بل من أول لحظة اقتربت فيها “روسوس” من بيروت، ومن كل من فتح لها الأبواب، ووقّع الغطاء، وأعطى الأوامر، وأسدل الستار على ما حصل، فالانفجار ليس مسؤولية الباخرة وحدها، ولا حتى الشركة التي جلبتها… بل أيضًا مسؤولية من سمح بوصولها، ومن أمر بإفراغ حمولتها المتفجرة، ومن خزّنها لجهات مجهولة معلومة لاستخدامها بمشاريعه الإقليميّة، ومن تواطأ بالصمت، أو شارك بالتوقيع، أو أسدل الستار على صفحات الحقيقة طيلة سبع سنوات.

فالسفينة لم تكن سوى حلقة في سلسلة. لكن تلك السلسلة كانت مشبوكة بإرادات، وأسماء، وقرارات… فانفجرت، ومعها كلّ ما تبقى من الثقة بدولة تحمي شعبها.

لم تنفجر المدينة من تلقاء نفسها، بل من صمت متواطئ، وإهمال مزمن، وتفجير مؤجّل… بانتظار عدالة، يبدو أنها أيضًا مؤجلة!.

في سردية الانفجار الذي لم يزل صداه يتردّد من بيروت إلى العالم، تعود كلّ الخيوط، مهما تفرّعت، إلى تلك المادة القاتلة: “نيترات الأمونيوم”، التي حُشرت في عنابر المرفأ بصمتٍ وقصور. وإلى تلك الباخرة: “روسوس”.

في 4 آب، انفجرت المدينة أو تفجرت فالنتيجة واحدة، لكنّ القصة بدأت قبل سبع سنوات من ذاك الانفجار أو التفجير، يوم رست تلك السفينة المتهالكة في مرفأ بيروت، لا على جدول الرحلات، ولا على خرائط الملاحة… بل على مفترق فسادٍ، وإهمالٍ، وقراراتٍ مشبوهة.

وعلى رغم مرور الزمن فلا تزال الحقيقة حول ما حدث في ذلك اليوم المأسوي مطموسة، في ظل التعقيدات السياسية والتلاعب بالملف القضائي. ومثل عديد من القضايا الأخرى في لبنان، أصبح ملف تفجير المرفأ مسيساً بصورة كبيرة، مما زاد من الشرخ بين أهالي الضحايا، بعضهم يقف ضد المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ويتهمونه بالاستنسابية، بينما يدعمه آخرون ويعدونه ضحية لضغوط سياسية تهدف إلى تعطيل مسار العدالة.

هذا الانقسام يعكس تعقيدات المشهد اللبناني حيث تتداخل السياسة مع القضاء، مما يعوق الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا والمتضررين. ومع مرور كل ذكرى سنوية لهذه الحادثة الأليمة، يتجدد الأمل في قلوب اللبنانيين أن تتحقق العدالة يوماً ما، وأن تنكشف الحقيقة كاملة ليشعر أهالي الضحايا بأن تضحيات أحبائهم لم تذهب سدى.

يقول المثل «شر البلية ما يضحك»، فمنظومة هذا البلد «فالج ما تعالج» وشعبه «طول ما بعيدة عن ضهري ماشي الحال»، فلا تراهنوا على الحشود ولا على من يحزنون.

لذلك أيها «اللبنانيون» إتكلوا على عدالة السماء ولا تراهنوا على معرفة القصة الحقيقية لكل ما حصل، فالمكتوب بينقرا من عنوانه، والعنوان «شرقوطة تلحيم ومفرقعات نارية وبراميل ميتانول فوقهم صاعق تفجير بطيء وحدن مدري كم ألف كيلو نيترات الله وأعلم».

الى اللقاء مع المصيبة التالية ، ليس ذلك من باب التشاؤم، لكن من باب الواقعية ، طالما العقلية والذهنية، والمتستر والمجرم والقاضي والشرطي نفسهم… ولمن يريد الحقيقة ،» ما إلكن بهالحالة إلا ميشال حايك وليلى عبد اللطيف… وإلا ….

إذا ما أصر اللبنانيون على معرفة كامل المسؤولية، ومعرفة المسبب الأساسي، عليهم الضغط باتجاه توقيف مدير وأساتذة المدرسة التي درس فيها معلم التلحيم وصبيانه، وكذلك أهلهم لتحديد أسباب، «ليش ولادهم طلعوا جاهلين وحمير وما عرفوا يقدروا إنو ما لازم يلحموا حد نيترات أمونيوم» . فمتى أجبنا على هذه الأسئلة فككنا اللغز، وما عاد مهم كيف وليش ولمين ومن مين ولمين ولشو؟؟؟، تصبح كلها تفاصيل عندما تصل إلى معرفة الحقيقة المجردة من أي لُبس .. وستصل إليها ولو بعد حين، فما ضاع حقٌ .. وراءه مُطالب.

اخترنا لك