٤ آب… ذاكرة الجرح المفتوح

كتبت نانسي اللقيس

بوابة بيروت تنشر مشروع ذاكرة، رغم مرور خمس سنوات على جريمة تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠

في كل عام، حين يحل الرابع من آب، لا تحتاج بيروت إلى من يُذكرها. المدينة تحفظ وجعها في حجارتها، في أبنيتها المتصدعة، في وجوه أهلها الذين ما عادوا يبتسمون كما قبل، وفي دموع لم تجفّ منذ خمس سنوات.

ليس الرابع من آب تاريخًا عابرًا. إنه لحظة توقفت فيها الحياة، وانفجر فيها قلب العاصمة، وظهر فيها كل ما حاول النظام السياسي اللبناني إخفاءه لعقود. في ذلك اليوم المشؤوم من عام 2020، دوّى الانفجار، وانهار ما تبقّى من الثقة بين الدولة وشعبها. أكثر من 220 شهيدًا، آلاف الجرحى، ومدينة نُكّلت بها قنبلة من الإهمال والفساد والتواطؤ.

لكن الجريمة لم تكن في التفجير وحده… الجريمة الحقيقية بدأت بعده.

خمسة أعوام مرّت، ولا حقيقة ظهرت. لا عدالة اقتربت. لا محكمة فُتحت. بل على العكس، أصبح المحققون ملاحقين، والقضاة مُهدَّدين، وأهالي الضحايا متروكين يصرخون في وجه جدران صمّاء. الدولة اللبنانية، بدل أن تنحني أمام دماء أبنائها، اختارت أن تحمي الفاسدين، أن تعرقل التحقيق، وأن تساوم على الحقيقة.

ليس في بيروت من نسي. الأم التي فقدت ولدها لا تنسى. الطفل الذي فقد أمه لا ينسى. من خسر بيته، مستقبله، حياته، لا ينسى. وحدهم المجرمون يطلبون النسيان، ويكرهون الحقيقة لأنها تفضحهم. لكن الحقيقة، وإن تأخرت، لا تموت.

كل المعطيات واضحة، مواد شديدة الانفجار كانت مخزّنة وسط العاصمة لسنوات، وسط علم وتواطؤ أجهزة أمنية وسياسية وقضائية. لا أحد حوسب. لا مسؤول استُدعي. لا حزب خجل، ولا حكومة اعتذرت. حزب الله، الذي فرض سطوته على المرفأ، محصّنٌ فوق الدولة، وشركاؤه السياسيون يتقاسمون الصمت والمكاسب.

أما القضاء، فقد رُكّع. والعدالة أصبحت رهينة لحسابات الطوائف والسلطة. في بلد يُفترض أن يحكمه القانون، بات القانون نفسه يُستخدم لسحق من يطالب به.

في ظل هذا المشهد الكارثي، تصبح المطالبة بتحقيق دولي ليست ترفًا، بل ضرورة. لأن من لم يستطع أن يحمي شعبه، لا يمكن أن يُؤتمن على محاسبة من قتله. ولأن العدالة التي تُعطَّل عمدًا في الداخل، يجب أن تُفرض من الخارج، عبر مجلس حقوق الإنسان، وعبر ضغوط دولية حقيقية تُجبر الدولة على فتح الأبواب الموصدة.

ليس المطلوب الانتقام، بل الحق. ليس المطلوب الثأر، بل العدالة. العدالة التي تعني الحقيقة، المحاسبة، الاعتراف بالمسؤولية، ووقف هذا الانهيار الأخلاقي الذي جعل من الجريمة مجرّد تفصيل سياسي.

في الذكرى الخامسة، بيروت لا تنام. ودم الشهداء لن يُمحى. والصرخة ستبقى، ما دام هناك قلب ينبض بالحق.

بيروت لا تطلب الكثير… فقط: لا تنسوا. ولا تسكتوا.

اخترنا لك