المرأة اللبنانية تحلّق عاليًا : جنى صادر تسطر إنجازًا تاريخيًا في سماء الجيش

بقلم بلال مهدي

منذ انفتاح المؤسسة العسكرية اللبنانية على دمج النساء في صفوفها، أثبتت التجارب أن المرأة قادرة على خوض أصعب مجالات الخدمة العسكرية، وتحمّل أقسى ظروف التدريب، بل والتفوّق في ميادين ظنّ كثيرون أنها حكر على الرجال. اليوم، يسطع اسم التلميذ الضابط جنى صادر كنموذج حيّ لهذا التفوّق، بعد أن حققت إنجازًا استثنائيًا يُسجَّل في تاريخ الجيش اللبناني.

فقد أنهت صادر بنجاح دورة تدريبية شاقة في قاعدة Laughlin Air Force Base بولاية تكساس الأميركية، استمرت قرابة عامين كاملين، لتصبح أول امرأة في الجيش اللبناني تبدأ مسيرتها المهنية بقيادة طائرة القتال الهجومية “سوبر توكانو A-29″، وهي طائرة متطورة تستخدم في مهام قتالية واستطلاعية دقيقة. هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة إرادة حديدية وتفانٍ في التعلّم والتدرّب، إلى جانب التزام صارم بمعايير الطيران القتالي.

شملت الدورة مرحلتين أساسيتين متصاعدتي الصعوبة، بدأت بتدريب تأسيسي على طائرة T-6 ذات الأجنحة الثابتة والمحرك العنفي المروحي، حيث أمضت صادر نحو 85 ساعة طيران تعلّمت خلالها تقنيات التحليق الأساسية والمناورات الجوية الدقيقة. في ختام هذه المرحلة، جرى تحديد التخصص المناسب لكل متدرّب، وجاء تصنيف صادر كطيار مقاتل نتيجة أدائها المتميز.

بعد ذلك، انتقلت إلى المرحلة المتقدمة من التدريب على طائرة T-38 النفاثة ذات المحركين، حيث خاضت نحو 95 ساعة من الطيران القتالي التأسيسي، شملت تدريبات على الاشتباك الجوي، الطيران في ظروف مناخية معقدة، وتنفيذ مهمات تحاكي بيئات قتالية حقيقية. هذه الخبرة المتراكمة هي التي مهدت الطريق أمامها لتولي قيادة “سوبر توكانو”، وإطلاق مسيرتها في سلاح الجو اللبناني من موقع ريادي غير مسبوق لامرأة.

وبينما كانت صادر تحلّق عاليًا، كانت زميلتها التلميذ الضابط جيسيكا الحجل تواصل الدورة نفسها في الولايات المتحدة، على أن تتخرج في آذار المقبل، في مؤشر واضح على أن حضور المرأة اللبنانية في مجالات الطيران القتالي لم يعد استثناءً، بل بداية لمسار مستدام نحو التوسّع والتمكين.

إن إنجاز صادر والحجل لا يقتصر على كونه نجاحًا شخصيًا، بل هو رسالة إلى كل فتاة لبنانية بأن الطريق نحو التميز في الجيش مفتوح أمام من تمتلك الحلم والإرادة والشجاعة. فالتحليق في سماء الوطن ليس حكرًا على فئة دون أخرى، بل هو شرف متاح لكل من يختار خدمة بلده بصدق وإخلاص.

ولذلك، فإننا نخاطب الشابات في لبنان اليوم: لا تترددن في خوض التجربة والانضمام إلى صفوف الجيش. فالمؤسسة العسكرية هي مدرسة للوطنية والانضباط، وميدان رحب لصقل المهارات وتوسيع الآفاق، حيث يمكن لكنّ أن ترتقين إلى مستويات متفوقة، وتصبحن رمزًا للقوة والعزيمة في خدمة لبنان. فالسماء ليست الحد… بل بداية رحلة المجد.

اخترنا لك