بقلم أسعد بشارة
مع نشر صحيفة “نداء الوطن” النص الحرفي لما يُعرف بـ”ورقة براك”، تهاوت سريعًا كل محاولات “حزب الله” للتشكيك والتضليل، وظهر جليًا حجم الفارق بين الحقيقة وما يُسوّقه “الحزب” لجمهوره وللرأي العام اللبناني. الورقة التي تتضمن تصورًا أميركيًا شاملاً للحل، تكشف عن مقاربة متوازنة تصب بالكامل في مصلحة لبنان، وتؤمن انسحابًا إسرائيليًا كاملًا، وعودةً للأسرى، وانطلاقًا سريعًا لورشة الإعمار، مقابل سحب السلاح غير الشرعي، وكل ذلك يتم بالتزامن والتوازي، لا بالمراوغة أو التأجيل.
المثير في الورقة أنها تتضمن خطة تنفيذ واضحة من أربع مراحل تنتهي فعليًا ببسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وتحقيق سيادتها الكاملة، بما في ذلك ضبط الحدود والتنسيق الضروري مع سوريا، بما يحفظ المصالح اللبنانية، ويمنع تسلل السلاح والميليشيات عبر الحدود. كما أن الوثيقة تنص على دعم الجيش اللبناني بشكل كبير، وتسخير مؤتمر عربي ودولي لتأمين المساعدات اللازمة للنهوض بالبنية التحتية والاقتصاد في الجنوب.
لكن بدلًا من مناقشة الورقة بموضوعية، سارع “حزب الله” إلى شيطنتها، مدّعيًا أنها لا تضمن شيئًا للبنان، متجاهلًا بوضوح مضامينها الصريحة التي تكفل كل عناصر السيادة والتحرير والمساعدة. هذا السلوك ليس جديدًا على “الحزب”، فهو لا يتحمّل أي مسار قد ينزع سلاحه أو يُخضعه لسلطة الدولة. لذلك، يستمر في اختلاق الأكاذيب، خوفًا من لحظة الحقيقة التي تقترب أكثر فأكثر.
لقد أصبح التضليل الذي يمارسه “حزب الله” مكشوفًا حتى أمام بيئته، ولم يعد ممكنًا الاستمرار في رواية “المؤامرة” و”الهيمنة الغربية” لتبرير الإبقاء على سلاحه. كل ما قد يُقدم عليه “الحزب” من خطوات تصعيدية أو افتعال أزمات لن يؤدي سوى إلى تعميق أزمته، داخليًا وخارجيًا، وسيفقده المزيد من الرصيد الشعبي الذي بدأ يتآكل. لبنان أمام فرصة نادرة لتكريس السيادة والدولة، وإذا فوّتها هذه المرة، فلن يكون السبب غياب العروض، بل استمرار الرهينة بيد سلاح غير شرعي يرفض الانصياع لأي منطق وطني جامع.