بقلم محمد قصب
في الثامن من آب ٢٠٢٠، لم يكن دخولنا إلى مبنى وزارة الخارجية مجرد اقتحام… كان استردادًا.
استردادًا لكرامة شعب، لهيبة وطن، لحقّ أُمّ دفنت ابنها تحت الركام، وأب حمل بيديه فلذة كبده.
رفعنا علم الثورة فوق قصر بسترس، لأن بيروت كانت تنزف،
ولأن المرفأ لم ينفجر… بل فُجّر.
لم نحمل السلاح، بل الحقيقة.
ولم نحطّم الزجاج، بل كسرنا جدار الصمت.
كسرنا عزلتكم، وكشفنا عجزكم، وقلنا أمام العالم:
هنا سقطت منظومة الفساد والسلاح، وهنا يبدأ استردادها.
في ذلك اليوم، سمعنا صوت بيروت يصل إلى عواصم العالم:
أن في لبنان من لا يزال يؤمن بالوطن، لا بالمزرعة.
ومن يرفض الموت تحت أنقاض الإهمال، ويرفض أن يكون شهيد ملف بلا قضاء.
أُسقطت حكومة حسان دياب لأننا قلنا: “كفى!”
كفى حكومات صورية،
كفى وزراء ينكرون الدم،
كفى مؤتمرات صحفية تغطّي الجريمة بجريمة.
ما فعلناه لم يكن عملاً غوغائيًا، بل نداءً باسم كلّ من نُكّل به بصمت،
باسم من خُنقت صرخته تحت الردم،
باسم من ما زال ينتظر العدالة في بلد بلا عدالة.
واليوم، بعد خمس سنوات، نعيد تذكير من نسي أو تناسى:
أن يوم ٨ آب لم يكن نهاية لحظة، بل بداية مسار.
وأن الثورة الحقيقية لا تطلب الإذن، بل تخلق شرعيتها من وجع الناس.
وإننا، إذ نكتب اليوم، لا نكتب تاريخًا ولا شعارات…
بل نُعلن استمرار الوعد: أن لا تسوية على الدم،
ولا سكوت بعد اليوم لمن خان، أو غطّى، أو باع، أو تواطأ.
وتحية من القلب،
لكل رفيق ورفيقة مشوا معنا ذلك اليوم الطويل،
من حملوا الغضب في صدورهم، والكرامة في عيونهم،
من لم يخفوا من بطش، ولا تراجعوا أمام جدار،
من دخلوا وزارة الخارجية لا للفرجة، بل لكتابة فصل جديد من سيادة الناس.
تحية لمن آمن أن بيروت لا تُحكم بالفساد،
وأن السيادة ليست طقوسًا دبلوماسية، بل فعل تمرّد في وجه من فرّط بالوطن.
تحية لمن وقف، لمن صاح، لمن جُرح، لمن اعتُقل، لمن كتب، لمن وثّق،
تحية لمن سهر الليالي يُخطّط لاختراق الخوف،
ومن زرع في قصر بسترس بذور ثورةٍ لن تموت.
أنتم الوجه الحقيقي للجمهورية.
أنتم حبر الصفحة التي لا يمحوها النسيان.