٨ آب… يوم اقتحمنا قصر بسترس ورسمنا مسار المعارضة الحقيقية

بقلم بلال مهدي

في الثامن من آب عام ٢٠٢٠، بعد أربعة أيام فقط على فاجعة تفجير مرفأ بيروت، كتبنا – نحن المنتفضين من رحم ١٧ تشرين، فصلًا جديدًا في تاريخ المواجهة مع منظومة القتل والفساد، حين اقتحمنا قصر بسترس، مقر وزارة الخارجية اللبنانية في قلب بيروت. لم يكن ذلك الاقتحام مجرّد ردّ فعل غاضب، بل لحظة مفصلية اختزلت غضب الناس، وصاغت بداية لمسار سياسي جديد، أكثر وضوحًا، وأكثر جرأة.

قصر بسترس، الذي كان شاهدًا على حقبات من الدبلوماسية اللبنانية، تحوّل في ذلك اليوم إلى منبر للكرامة. كنّا، نحن أبناء الثورة، نحمل وجع بيروت المنكوبة، وندخل المكان ليس لنخرب، بل لنسترده من سلطة فقدت شرعيتها بسقوط الدم والدمار. رفعنا الشعارات على جدرانه، وعلّقنا صور الشهداء، وقلنا بالفم الملآن، “بيروت منزوعة السلاح”، في أول تحدٍّ علني لمنطق الدويلة والسلاح غير الشرعي الذي يخنق العاصمة.

من الغضب إلى التنظيم

ذلك اليوم لم يكن مجرد حدث، بل لحظة ولادة سياسية لعدد من القوى التي ستتبلور لاحقًا في الانتخابات النيابية، وفي الأطر التنظيمية للمعارضة السيادية. من رحم ذلك الاقتحام، خرج صوت يقول بوضوح، لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح في ظل سلاح “حزب الله”، ولا يمكن لأي عدالة أن تقوم وهناك من يحمي القتلة.

الثامن من آب شكّل القطيعة مع المعارضة التقليدية التي كانت تدور في فلك التسويات والمجاملات. لقد وضعنا حينها الأساس لمعارضة جذرية، تملك الجرأة لتسمّي الأشياء بأسمائها، وتضع الإصبع على الجرح. ومن ذلك اليوم، بدأت مرحلة سياسية جديدة، برلمانيون تغييريّون، أصوات حرة في الإعلام، حركات سيادية، كلّها وُلدت من رحم ذلك الفعل الثوري النقي.

ما بعد الاقتحام

لم يكن المشهد ورديًا لاحقًا، فقد واجهنا محاولات التشويه والتخوين والقمع. لكن بقي ذلك اليوم شاهدًا حيًا على أن الثورة يمكن أن تكون فعلًا سياسيًا ذا معنى، لا مجرد صراخ في الساحات. وبقي قصر بسترس محفورًا في ذاكرتنا كمكان رمزي لاستعادة القرار، وكمنصة رفعنا من خلالها أول شعارات التحرّر الحقيقي.

٨ آب ليس مجرد تاريخ ندوّنه في دفاترنا، بل محطة مفصلية أعادت رسم خطوط الصراع في لبنان. إنه اليوم الذي انتقلنا فيه من الغضب العفوي إلى الفعل المنظّم، ومن الشعار الفضفاض إلى الموقف الواضح. يومها، قلنا “بيروت منزوعة السلاح”… وما زلنا نقولها حتى ننتزع لبنان كلّه من تحت رماد الاحتلال السياسي والمالي والمعنوي.

اخترنا لك