بقلم السفير د. هشام حمدان
يهدّد زعماء حزب إيران في لبنان “حزب الله”، بتحريك قواهم داخل الشّارع اللّبناني، على غرار ما قاموا به في 7 أيّار 2008، إذا اتّخذت الحكومة في اجتماعها المقبل يوم الثّلاثاء القادم قرارًا يحوّل رسميًّا سلاح الحزب إلى سلاح غير قانوني، ويفرض سحبه.
يبدو هذا التّهديد إنذارًا بتحريك القلاقل الدّاخليّة في البلاد، بما يحتمل الانزلاق إلى حرب أهليّة مجدّدًا. وهذا الإنذار موجّه بشكل مباشر إلى رئيس الجمهوريّة جوزاف عون، الّذي أصرّ طويلًا على عدم اتّخاذ قرار في الحكومة يستكمل اتّفاق 17 تشرين الأوّل 2024، مع إسرائيل برعاية الولايات المتّحدة، بشأن نزع سلاح الحزب كشرط لوقف الحرب التي استمرّت أكثر من سنة بين الحزب وإسرائيل، ودفع ثمنها غاليًا أهل الشّيعة (بيئة حزب الله) في لبنان.
البيئة المتضرّرة ترفض التهديدات القديمة
برزت في صحف لبنانية حليفة لإيران تهديدات ضمنيّة ضدّ قيادات حزبيّة مشاركة في الحكومة، من المتوقّع أن توافق على قرار حكوميّ ضدّ هذا السّلاح، وفقًا للاتّفاق مع المبعوث الأميركي إلى لبنان، طوم باراك. بدا أنّ المعنيّ بهذا التّهديد، هي البيئة ذاتها التي وقعت ضحيّة هجمة قوّات حزب الله في 7 أيّار 2008، من سنّة ودروز. يُذكر أنّ حزب الله قام في حينه، باجتياح مسلّح ضدّ المناطق الدّرزيّة والسنيّة، انتقامًا من قرار اتّخذته حكومة الرّئيس فؤاد السّنيورة (سنّيّ من أنصار الشّهيد رفيق الحريري) في حينه، بطلب من وزراء الحزب التّقدّمي الاشتراكي (ألدّروز).
غير أنّ ظروف اليوم تختلف عن الماضي. يعرف قادة الحزب الإيراني أنّ زمن مثل هذا التّهديد قد ولّى. ربّما أنّهم يبنون على مخاوف الرّئيس اللّبناني، الذي كان قائدًا للجيش، من أن ينقسم الجيش إذا ما تحوّل الصّراع إلى نزاع أهليّ، كما حصل خلال الحرب الأهليّة (1975-1989). لكنّهم يدركون أنّ هذا الأمر مستبعد. قد يخرج بعض الضبّاط والعناصر الموالين لحزب الله، وحتّى لحركة أمل (برئاسة نبيه بري – رئيس المجلس النّيابي وحليف الحزب في البيئة الشّيعيّة)، لكن الجيش لن ينقسم، وسيحظى بدعم شامل من كلّ المكوّنات اللّبنانيّة الأخرى. ستكون البيئة الشّيعيّة نفسها، هي الضّحيّة الأكبر في أيّ توجّه نحو الشّارع.
يخطئ حزب الله، ومن خلفه إيران، كثيرًا بهذا التّصرّف. التّهديد لم يعد ينفع. الذّهاب إلى الشّارع هذه المرّة، ليس له بعد مذهبيّ أو محلّي، بل هو عصيان ضدّ إجماع وطني، إقليمي ودولي، على استعادة سيادة الدّولة على التّراب اللّبناني، ودورها الحصري في ممارسة القرار الوطني بشأن الحرب والسّلم في البلاد. سيشارك جميع المعنيّين محلّيًّا، في مواجهة العصيان، وفي دعم الجيش لمنع أعمال العنف. كما ولن تترك أميركا، ومن خلفها، بل وقبلها إسرائيل، هذا التّحرّك العصياني من دون مواجهة.
الحكومة أمام فرصة تاريخيّة لحماية وحدة لبنان
وقد جاء ردّ الحزب الاشتراكي على ما سُمّي بالتّهديد المبطّن من الصحيفة الموالية لحزب الله واضحًا. ومثله ستكون ردود الآخرين. فإذا كان وليد جنبلاط، بوصلة كما يقولون، فعليهم قراءة موقفه بانتباه. لقد اعتبر جنبلاط بعد أحداث أيّار 2008، أنّه أخطأ، وألقى باللّوم على الأميركيّين الذين خذلوه. يعلم جنبلاط تمامًا، أنّ الأميركيّين هم الآن تحت قيادة رئيس آخر لا يهاب المواقف، هو الرّئيس ترامب، الّذي لن يتردّد بدفع العالم وكلّ القوى الإقليميّة، لدعم الجيش في التّصدّي لهذا التّحرّك. بل إنّه لن يقف في وجه إسرائيل إذا تطوّر العصيان سلبيًّا، من تدخّلها للنّيل حتّى من القيادات السّياسيّة للحزب. لا ضمانات لقادة الحزب سوى الالتزام الكامل باتّفاق وقف النار في 27 تشرين الأوّل 2024، والانسحاب إلى العمل السّياسي فقط.
يُعتبر ما نُقل من ردّ الحزب الاشتراكي على ما قيل، أنّه تهديد مبطّن في مقالة لصحيفة الأخبار، هو انعكاس لصوت كلّ النّاس، ولكلّ القوى الممثّلة في الحكومة، وأيضًا، لصوت الذين وضعوا اتّفاق تشرين المنصرم لإنهاء الحرب الإسرائيليّة على الحزب نفسه، وبيئته وجغرافيّته.
كنّا قد طالبنا الرّئيسين والقيادات السّياسيّة منذ انطلاق العهد والحكومة، القيام بهذه الخطوة. القرار الحكومي بحصر السّلاح بيد الدّولة، وتجريم أيّ سلاح خارج الشّرعيّة في لبنان، هو خطوة أساسيّة لحماية الوحدة الوطنيّة، بما في ذلك بيئة الحزب الشّيعيّة نفسها. فالسّلاح غير الشّرعي الموجود بينهم، هو الذي يجعل حياتهم مهدّدة كلّ يوم، ويفرض عليهم الخوف وعدم الاستقرار، والتّشرّد من بيوتهم، ومن حالة الانفصام عن أهاليهم من مكوّنات لبنان الأخرى.
هذه الخطوة ضروريّة للدّخول العملي في عملية إعادة بناء السّلام في لبنان، وإعادة الإعمار في الجنوب. لكنّها ليست الوحيدة. هناك قرارات عديدة يجب العمل من أجلها، سواء من خلال هذه الحكومة، أو من خلال إعداد برنامج انتخابي لما سُمّي بثورة الشّعب، للوصول إلى برلمان يحقّق الإصلاح والتّغيير المنشود.
إذا كان سلاح حزب الله هو العائق أمام سيادة الدّولة، فذهابه يجب أن لا يحوّل المذهبيّة إلى حصانة لمن أوصلوا البلاد إلى حالتها الرّاهنة، مهما تكن طائفتهم ومناطقهم.
علينا الانعتاق من التّبعيّة المذهبيّة كما ننعتق الآن من السّلاح، كي نحقّق فعلاً، الانتقال بالبلاد إلى عالم الحضارة الحديثة بمقوّماتها الموجّهة لحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، وإقامة الحكم الرّشيد، وتحقيق الازدهار والتّقدّم.