شهداء الجيش في أنفاق الحزب

في منتهى الجدّ

بقلم أحمد عياش

غداة إطلالة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وإعلانه بتعالٍ أن “حزب الله” لن يسلّم سلاحه، سقط أمس 6 عناصر من الجيش اللبناني جراء إنفجار خلال الكشف على مخزن أسلحة وتفكيك محتوياته داخل منشأة للحزب في المنطقة الواقعة بين بلدتيّ مجدلزون وزبقين – قضاء صور، فيما جرح ٥ عسكريين آخرين تم نقلهم إلى المستشفيات للمعالجة.

ستوضح المعلومات طبيعة الانفجار الذي ألحق بالجيش خسائر فادحة هزّت لبنان. وسيتبيّن من هذه المعلومات، أن عناصر الجيش وصلوا إلى نفق “حزب الله” من دون مرافقة من أحد خبراء الحزب، أو على الأقل مزوّدين بتعليمات قدّمها الحزب تعطي فكرة كاملة عن النفق وكيف التعامل مع ذخائره. ونفترض لو أن الحزب قرّر تقديم المعلومات والإرشادات حول عالم الأنفاق التي أنفقت إيران مليارات الدولارات الأميركية لإنشائها في كل لبنان، لاتخذ الجيش كل الإجراءات الاحترازية كي لا يسقط له شهداء كما حصل له أمس.

نتحدث عن مساعدة يقدمها “حزب الله” للجيش اللبناني وليس للجيش الإسرائيلي الذي يتمتع بحجم هائل من المعلومات الاستخباراتية حول الحزب. وتمثل هذه المعلومات زوّادة التواصل المستمر بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وسائر أعضاء اللجنة الأمنية الخماسية المكلفة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار المبرم في 27 تشرين الثاني 2024 والذي أنهى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.

أوقع انفجار نفق “حزب الله” أمس إصابات بليغة في صفوف الجيش. وفعلت مقابلة رعد التلفزيونية مساء الجمعة الأمر نفسه في صفوف اللبنانيين. فقد خطف رعد في هذه المقابلة كل الأحلام الوردية التي صنعتها جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت قبل يوم من إطلالة النائب رعد التلفزيونية، أي الخميس الفائت. فقد تحوّل رئيس كتلة “حزب الله” النيابية طوال المقابلة التي أجرتها معه قناة الحزب التلفزيونية “المنار” والتي قاربت الساعة ونصف الساعة إلى عاصفة رعدية تشبه عواصف الشتاء. واستعاد المشاهدون مع هذه الإطلالة نموذجًا حصريًا بهذه الشخصية التي وصفها ذات يوم وليد جنبلاط بـ”الحائط” الذي لا يمكن الحوار معه بل يجب الوقوف أمامه ثم الرجوع إلى الوراء بحثًا عن طريق لا يفضي إلى هذا الجدار المسدود.

نجح رعد حيث فشل الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في رفع سلاح التنظيم الى مرتبة غير مسبوقة وخصوصًا عندما راح رعد يزلزل الأثير بتعداد الخطايا التي سيتسبّب بها تسليم السلاح وفقًا لقرار الحكومة. وظهرت هذه الخطايا جلية في عبارات رعد: “أن تقول سلّم سلاحك يعني أن تقول سلّم شرفك، وتسليم السلاح هو انتحار، ونحن لا ننوي الانتحار”. وذهب الى القول: “أنا أقول الموت ولا لتسليم السلاح ويروحوا يبلّطوا البحر”.

استحق رئيس كتلة “حزب الله” النيابية اسمه العائلي عن جدارة ، فهو رعد شكلًا ومضمونًا. لكن هذا الوصف يستدعي أن تتوقف كل مظاهر الفرح التي سادت ولا تزال في أوساط الذين انتشوا بقرار الحكومة يوميّ الثلثاء والخميس الماضيين، فما زال هناك الكثير من العراقيل يضعها “حزب السلاح”، ما يمنع من عقد القران بين قرار حصرية السلاح بيد الدولة وبين تنفيذ القرار الذي أنيط بالجيش اللبناني وفي مهلة تصل الى نهاية العام الجاري.

همّش إعلام “حزب الله” وسائر الإعلام التابع له أمس ما قاله رعد عن الجيش. فهو عندما سئل: طلب من الجيش وضع خطة في حدود نهاية آب وحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الحالي الكرة أصبحت في ملعب الجيش ما الذي تنتظرونه من قيادة الجيش بعدما وضعت أمام هذه المسؤولية؟ أجاب: “الجيش يمثل كل اللبنانيين بتركيبته. وألفت النظر الى أن قوة الجيش انه حيادي بين اللبنانيين. ما لازم أن يبيّن الجيش أنه طرف بين اللبنانيين. وأعتقد أن قيادة الجيش تنتبه إلى هذه المسألة”.

في المقابل، لا تشاطر الولايات المتحدة الأميركية رعد الرأي. فقد أعلن نائب الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية طومي بيغوت أوّلًا عن ترحيب واشنطن بقرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش اللبناني بخطة لوضع كل الأسلحة تحت سيطرة الدولة بحلول نهاية العام. ثم قال: “طالما أن “حزب الله” يحتفظ بالسلاح، فلن تكفي الكلمات. يجب على الجيش اللبناني الالتزام التام والتحرك الآن لتنفيذ قرار الحكومة بالكامل”. ولفت إلى أن “صدقية الحكومة اللبنانية تعتمد على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق”.

كيف يمكن تقريب ما قاله رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” حول الجيش مع ما دعا إليه الناطق الإعلامي الأميركي على صعيد المؤسسة العسكرية في لبنان؟

يلوح جواب من بعيد يصل الى ما فعله مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني عندما وافق على الحل الذي أوقف الحرب بين ايران والعراق أيام الرئيس السابق صدام حسين. وكانت هناك العبارة التي تلفظ بها الخميني وأصبحت شهيرة بمقدار شهرة صاحبها. فهو قال إن موافقته على إنهاء الحرب “كمن يتجرّع السم”.

قدّم الزعيم التاريخي لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله نموذجًا مماثلًا لعبارة مرشده الإيراني عندما نطق بعبارة “لو كنت أعلم” في إشارة الى حرب عام 2006 والتي أدت الى نتائج لم يتحسب لها الحزب كي يقول بما معناه انه ما كان ليخوض تلك الحرب لو أدرك أنها ستفضي إلى الكوارث في لبنان التي افضت اليها.

افترق نصرالله عن الخميني في موقف أدلى به الأول بعد نهاية حرب تموز 2006. فقد أضاف الى عبارة “لو كنت اعلم” بعدما وضعت الحرب أوزارها، عبارة هي “النصر الإلهي”. وهكذا، مسح الحزب مسؤوليته ومسؤولية إيران عن توريط لبنان في حرب باهظة التكلفة على كل المستويات.

تكمن العبرة في “النصر الإلهي” أنه قادر على تحوير المعطيات وقلبها رأسًا على عقب. أليس في هذه التجربة ما يفتح الباب أمام مخرج من مأزق يلوح في الفترة التي تفصل لبنان عن نهاية العام الجاري موعد إنجاز قرار حصر السلاح بيد الدولة؟

ستكون عبارة “التسليم الإلهي للسلاح” موازية لعبارة “تجرّع السم”. لكن العبارة الأولى ستعطي رعد وقاسم وسائر قادة ما تبقى من “حزب الله” نفحة معنوية تجعل هؤلاء ولاسيما رعد يعلنون بفم ملآن: “إنه الشرف أن يكون تسليم السلاح توفيقًا إلهيًا”. من يستبعد ذلك، عليه انتظار تدحرج الأحداث من الضاحية إلى طهران، وكان أحدثها أمس انفجار مخزن نفق الحزب في الجنوب.

اخترنا لك