بقلم بلال مهدي
منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، لم يُخفِ “حزب الله” هويته الفكرية والسياسية المرتبطة بالمشروع الإيراني. فخطابه، رغم تبدّل الظروف والحقبات، ظل ثابتًا في جوهره: لبنان ليس وطنًا قائمًا بذاته، بل جزء من مشروع إسلامي أكبر تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران.
الجذور الفكرية للمشروع
تصريحات أمينه العام الراحل حسن نصرالله، منذ سنواته الأولى في القيادة، تكشف بوضوح خريطة الطريق التي رسمها الحزب لنفسه. فقد قال في أيلول 1986: “لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير”. وفي تموز 1987، شدّد: “إن لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون”.
هذه المواقف لم تكن زلات لسان، بل جزءًا من عقيدة موثّقة في “الرسالة المفتوحة” الصادرة عام 1985، والتي أعلن فيها الحزب صراحة التزامه بأوامر الولي الفقيه في إيران، واعتبر نفسه “أمة حزب الله” التي أسست نواة دولة الإسلام المركزية.
تحت راية المقاومة
على مدى عقود، أتقن الحزب استخدام راية “المقاومة” لتسويق مشروعه داخليًا وخارجيًا. رفع شعار تحرير الأرض ومواجهة العدو الإسرائيلي، لكنه أبقى ارتباطه العضوي بالمشروع الإيراني كأولوية، وهو ما أعلنه نصرالله في آذار 1987: “كلنا في لبنان حاضرون للتضحية… لتبقى الثورة في إيران قوية متماسكة”.
هذا المزج بين خطاب المقاومة والعمل لحساب مشروع خارجي جعل الحزب طرفًا فوق الدولة، يتحرك وفق أجندة إقليمية، لا وطنية، ويعيد إنتاج مفهوم “مجتمع الحرب” الذي دعا إليه نصرالله في الثمانينيات.
الحاضر، خطاب ثابت بوجه متغيّر
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، لم يتغير المضمون، بل تغيّرت أدوات التعبير. لا يزال الحزب يضع حماية الثورة الإيرانية وإقامة “الجمهورية الإسلامية” في صلب أهدافه، حتى وإن جاء ذلك على حساب الاقتصاد اللبناني، واستقرار الدولة، وعلاقات لبنان العربية والدولية.
الخطاب الذي يُلغي هوية لبنان الوطنية، ويحوّله إلى ساحة في خدمة مشروع خارجي، هو في جوهره تهديد مباشر للسلم الأهلي. إنه خطاب يقسّم اللبنانيين إلى “أمة حزب الله” وبقية الشعب، ويقوّض أي إمكانية لبناء دولة جامعة على أساس المواطنة.
الطريق إلى الخروج الوطني
مواجهة هذا الخطاب لا تكون بالشعارات وحدها، بل بخطة وطنية متكاملة:
1. إعادة تثبيت الهوية الوطنية في الدستور والتطبيق، مع التأكيد على أن لبنان دولة عربية سيدة، حرة، مستقلة.
2. تعزيز الجيش اللبناني والقوى الأمنية كمؤسسة وحيدة تحمل السلاح وتدافع عن الوطن، وإعادة تفعيل “خدمة العلم” .
3. إطلاق مشروع وطني جامع يدمج القوى السياسية والمدنية السيادية في مواجهة مشروع ولاية الفقيه.
4. تحصين المجتمع اللبناني بالتربية المدنية والإعلام المستقل، لكسر الهيمنة الفكرية التي يفرضها الحزب في بيئته.
إن خطاب “حزب الله”، منذ 1985 حتى اليوم، لم يكن وليد لحظة مقاومة، بل جزء من مخطط إيراني متكامل أُدخل إلى لبنان تحت شعار تحرير الأرض. التحدي الأكبر أمام اللبنانيين اليوم هو استعادة وطنهم من براثن هذا المشروع، وإعادة توجيه البوصلة نحو دولة واحدة، سلاح واحد، وهوية لبنانية لا تُختزل في أي محور أو ولاية.