حسن الجعجع : لا عدالة بيئية تحت الاحتلال
ما نواجهه ليس أزمة مناخ فقط، بل استعمار يُخضّر وجه القمع، ويُسَوّق الإبادة كتحول مستدام
خاص بوابة بيروت
ممثّلًا عن “العربية لحماية الطبيعة” و”الشبكة العربية للسيادة على الغذاء”، شارك المستشار الزراعي حسن الجعجع في المؤتمر السنوي السادس للسياسات البيئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي عُقد في بيروت.
وخلال كلمته، شدّد الجعجع على أهمية إعادة تعريف مفهوم الانتقال البيئي العادل، خصوصًا في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية المعقّدة التي تمرّ بها دول المنطقة.
وأشار الجعجع إلى أن النزاعات الممتدة لعقود في المنطقة تزيد من تفاقم التدهور البيئي، لافتًا إلى أن الحروب والصراعات والاحتلال تشكل عوائق بنيوية تحول دون تحقيق تحول بيئي وتنموي حقيقي. وذكر الجعجع على وجه الخصوص الحالة الفلسطينية التي فقدت أكثر من 85٪ من أراضيها ومياهها، كما تعرضت بيئاتها للتدمير المباشر عبر القصف والتوسع الاستيطاني وجرائم بيئية متعددة، منها سرقة الموارد ورش المبيدات الكيميائية وقطع ملايين الأشجار المعمرة.
وأوضح أن الاحتلال يسيطر على الموارد المائية ويمنع الفلسطينيين من الوصول إلى نهر الأردن ويمارس سرقة المياه الجوفية، مما يفرض على الفلسطينيين شراء المياه بأسعار مرتفعة. كما أشار إلى الوضع الكارثي في قطاع غزة، حيث دُمرت البنية التحتية المائية والزراعية بشكل كبير، وتسبب القصف في توليد كميات هائلة من الركام الملوث بالمواد السامة التي تهدد الأمن الغذائي والصحة العامة.
وشدد الجعجع على استحالة تحقيق انتقال بيئي عادل دون إنهاء الاحتلال ووقف الحروب وتفكيك أنظمة الاستغلال، معتبرًا أن العدالة والسيادة وحقوق الشعوب في مواردها هي جوهر الانتقال الحقيقي، وليس مجرد حلول بيئية تقنية أو خفض الانبعاثات.
وأضاف أن إعادة الإعمار بعد الدمار الشامل تمثل فرصة لإعادة صياغة مفهوم الانتقال البيئي العادل بما يتناسب مع خصوصيات المنطقة، داعيًا إلى إشراك منظمات المجتمع المدني، النقابات، النساء، الشباب، والمزارعين في رسم السياسات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة، بعيدًا عن الخطابات الدولية التي قد تفرض أجندات خارجية لا تعكس الواقع.
كما تحدث الجعجع عن الجهود المبذولة لمواجهة الاستخدام العسكري لتدمير البيئة في النزاعات، وأشار إلى أن منظمة المجتمع المدني التي أسسها تدافع عن حماية الموارد الطبيعية وتطالب بمساءلة الاحتلال على جرائمه البيئية، مستعرضًا نجاحات في دفع قرارات دولية تطالب الكيان الصهيوني بالتعويض عن الأضرار البيئية التي تسبب بها في لبنان.
وتناول الجعجع دور القطاعات المهمشة كذوي الإعاقات واللاجئين والنساء والشباب في صياغة السياسات، مؤكدًا أن الاستراتيجيات الحالية غالبًا ما تتجاهل الجذور الحقيقية للمشكلات وتعطي حلولاً سطحية. وقدم مثالًا على مبادرة “حملة المليون شجرة” التي تدعم صمود المزارعين الفلسطينيين وتعزز السيادة الغذائية رغم الحصار والحروب.
كما تحدث عن مشاريع إعادة تأهيل القطاع الزراعي في غزة رغم الحصار، مشيرًا إلى نجاحات في زراعة آلاف الدونمات وإنتاج ملايين الكيلوغرامات من الخضار التي ساعدت في خفض الأسعار ودعم آلاف الأسر.
وفيما يتعلق بالتدخلات الخارجية، لفت الجعجع إلى أن التمويل الدولي غالبًا ما يأتي مشروطًا بأجندات خاصة تعزز الاستعمار الجديد عبر سياسات تخدم مصالح الدول المانحة على حساب احتياجات المجتمعات المحلية. وانتقد فرض مشاريع بيئية لا تلبي الأولويات المحلية، مشددًا على ضرورة رفض ما وصفه بـ”التطبيع الأخضر” الذي يستخدم الطاقة المتجددة كذريعة لترسيخ علاقات مع الاحتلال.
وختم الجعجع بتسليط الضوء على التناقض الدولي، حيث هرعت دول غربية لإطفاء حرائق في فلسطين المحتلة لكنها تخذل الفلسطينيين المحاصرين بفرض حصار مشدد يحرمهم من أبسط متطلبات الحياة، داعيًا إلى حراك بيئي تحرري يعيد العدالة والكرامة لشعوب المنطقة بعيدًا عن الهيمنة والسيطرة.