بقلم غادة المرّ
في قلب جبال القوقاز، حيث تختلط رائحة التّاريخ بملح الدّموع، يطلّ طريق جديد، كأنّه وعد أو تهديد. طريق لا يربطُ مدُناً فقط، بل يربط مصير دول وتحالفات، إسمه الآن على كلّ لسان “طريق ترامب للسلام والازدهار الدّوليّ”.تسميّة أميركيّة، أثارت حماسة وفرح أنقره وباكو، وزرعت الرّعب في قلب موسكو وطهران، وفضولاً بين عواصم أوروبا. هذا الطّريق، لا يمرّ عبر الجغرافيا وحدها؛ إنّه يمرّ عبر الحسابات الكبرى للقوة، عبر رغبة في إعادة رسم خرائط النّفوذ، ويفتح صفحة جديدة قد تغيّر وجه تجارة الطّاقة والاتّصال بين أوروبا وآسيا… أو قد تشعل اشتباكات جديدة اذا ما فشل في مراعاة وإدارة حساسيّة الشّعوب والحدود.
١- ما هو طريق TRIPP ؟
Trump Route for International Peace and Prosperity .
هو الاسم الرسميّ المستخدم في البيت الابيض، يصف مشروعاً لنقطة عبور/ ممرّ نقل، يربط الأراضي الأذربيجانيّة المهمّة عبر أراض جنوبيّة من أرمينيا سيونيك- زانجزور. يشمل المشروع بنى تحتية متعددّة:
طرق بريّة، سكك حديد، خطوط نفط وغاز، كابلات ألياف ضوئيّة… ويمنح الولايات المتّحدة الأميركيّة، حقوق تطوير وإدارة طويلة الآمد .
٢-من يشارك في هذا الخط/ المشروع ؟
-الولايات المتّحدة الاميركيّة : الرّاعي الوسيط والمستفيد السياسيّ والاقتصاديّ.
– أذربيجان: الطّرف المستفيد المباشر ( ربط منطقة نخجيوان بالأراضي التركيّة.
– أرمينيا: تمنح امتياز مرور عبر إقليمها مقابل وعد بتعاون اقتصاديّ وسلام .
-تركيا: حليف وثيق لأذربيجان وعضو في حلف الناتو. يفتح الطّريق أمام تركيا منفذاً تجارياً مباشراً مع بلدان شرق أوروبا وآسيا الوسطى ويعزّز نفوذها الإقليميّ .
-ناتو/ شركاء غربيون: لن يشاركواً عسكرياً بشكل مباشر في بناء الطّريق، لكن وجود تركيا كعضو في الناتو وتوقيع الاتفاق في البيت الابيض، يعطي المشروع بُعداً استراتيجياً غربيّاً.
٣- ما هي أهداف المشروع المعلنة والسّريّة؟
الأهداف المعلنة:
-تحريك عمليّة السّلام بين أرمينيا وأذربيجان وإنهاء النّزاعات المفتوحة، وفتح معابر تجاريّة وتعزيز التنمية الاقتصاديّة الاقليميّة.
-بناء ممرّات لوجستيّة تربط تركيا وأوروبا بآسيا الوسطى والصّين عبر الممرّ الأوسط (Middle Corridor).
الأهداف الاستراتجيّة السّريّة :
-تحييد النّفوذ الروسيّ و الايرانيّ في جنوب القوقاز عن طريق إدخال لاعب غربيّ قويّ، الولايات المتّحدة الأميركيّة، كمشغّل ومراقب للممرّ، ممّا يقلّل من قدرة موسكو وطهران على التحكّم بالمنطقة.
-فتح ممرّ طاقة بديل لنقل النفط والغاز والمواد الاستراتجيّة، الى الأسواق الأوروبيّة، وبحرّية، وتقليل اعتماد أوروبا على طرق او منافذ تسيطر عليها قوىً معادية.
-تعزيز مكانة تركيا كقناة أساسيّة بين الشّرق والغرب، وربطها القويّ بأذربيجان.
٤- التحالفات وميزان القوى.
-ولادة تحالف واضح بين الولايات المتّحدة الاميركيّة -أذربيجان-تركيا. ما يمنح واشنطن نفوذاً اقتصادياً وسياسيّاً في القوقاز، فيما تكسب تركيا ممرّاً استراتيجيا يعزّز موقعها داخل الناتو.
-تتحوّل أرمينيا من محور تبعية لروسيا، الى لاعب تفاوضيّ مع الغرب.
-تشعر موسكو وطهران بتهديد مباشر لمصالحهما الّتي ستتأثّر سلبيّاً :
روسيا: ستفقد موسكو جزءً من نفوذها التّقليديّ في القوقاز، وستواجه تهديداً استراتيجيا وأمنيّاً واقتصاديّاً في المنطقة.
إيران: تخشى طهران محاصرة حدودها بممّر غير صديق، يمرّ قرب أراضيها، ويقلّل من قدرتها على التّحكّم والوصول الى البحر، او الى خطوط النقل الإقليميّة. وقد عبّرت طهران عن رفضها ومخاوفها.
٥- الآثار الاقتصاديّة “فوائد محتملة”.
-تنشيط التّجارة عبر الممّر الأوسط، وتقليل زمن وتكلفة الشحن بين أوروبا والصّين،وفتح أسواق جديدة لأذربيجان وأرمينيا، ودخول استثمارات غربيّة.
-تكلفة ومخاطر استثماريّة: بنى تحتيّة مكلفة، مخاطر أمنيّة(نزاعات محليّة أو هجمات)، مع احتمال انسحاب أو تعديل الشروط،فيما لو تغيّرت الظّروف السياسيّة المحليّة أو الدوليّة.
٦- البعد الأمنيّ والعسكريّ.
-تحويل الممرّ الى واقع عمليّ يتطلّب ضمانات أمنيّة، قد تقود الى تواجد شركات أمنيّة دوليّة او قواعد لوجستيّة تحت مظلّة حماية دول غربيّة، وهو ما سيفاقم حساسية موسكو وطهران وقد يجرّ المنطقة نحو سباق نفوذ عسكريّ غير معلن.
-إحتمال تصاعد التوتر بين الدّول، اذا ما شعر طرف محليّ أو قوة إقليميّة، أنّ سيادتها أو مصالحها الاستراتجيّة مهددّة.
٧- اعتبارات قانونيّة وسياديّة.
-إنّ منح حقوق تطوير أو إدارة طويلة الآمد لمشغّل خارجيّ عبر أراض ذات سيادة قد يثير تساؤلات دستوريّة وسياسيّة داخل أرمينيا، وتحفّظات لتنازلات سياديّة. ولعلّ هذا البند يخلق احتقاناً وتحفّظاً داخليّاً في أرمينيا.
٨- السيناريوهات المستقبليّة.
١- سيناريو النّجاح: إبرام اتفاق نهائيّ شامل، تدفّق استثمارات، فتح حدود تركيا – أرمينيا، واندماج الممر في شبكة تجاريّة أوروبيّة-آسيويّة، ما يقوّي مكانة واشنطن وشركائها الإقليميين. وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً.
٢- سيناريو الصّراع :مع كل ما ينطوي على مخاطر، لاعتراضات داخليّة في أرمينيا، وردود فعل إقليميّة من طرف إيران أو مقاومة روسيّة قد تسفر عن توتّرات أمنيّة أو تهديدات أو تعطيل للبنى التحتيّة.
٣-سيناريو الوساطة والتعقيد: نجاح جزئيّ في تشغيل الممر التجاريّ مع تسويات مؤقتة ونفوذ متعدّد الأقطاب، ما قد يحدّ من سيطرة طرف واحد. هذا السيناريو ي ينطوي على مخاطر عاليّة.
٩- توصيات سياسيّة واستراتجيّة لصّناع القرار:
– لأيّ لاعبٍ إقليميّ: ضرورة فتح قنوات دبلوماسيّة نشطة مع كلّ الأطراف( واشنطن،أنقرة، يريفان وباكو ) لخفض التصعيد وطرح ضمانات سياديّة.
– للولايات المتّحدة الأميركيّة والجهات المموّلة: ضرورة بناء آليات شفافة، إقتصاديَة و إجتماعيّة، لتعويض المجتمعات المحليّة في أرمينيا وتضمين الترتيبات، ضمانات قانونيّة، لمنع استغلال المشروع سياسيّاً ضد السّكان المحلّيين.
– للإتّحاد الأوروبيّ والدّول المجاورة: متابعة المشروع كممرّ تجاريّ محتمل، لكن مع تأمين بدائل وتدابير لتفادي زيادة التوتر الإقليميّ.
طريق TRIPP, ليس مجرّد طريق أو إتّفاقيّة، إنّه محاولة لإعادة رسم خرائط النّفوذ في منطقة حيويّة بين أوروبا وآسيا. إن كتب لهذا المشروع-الممرّ النّجاح، في تحويل النّزاع الى تعاون إقتصاديّ مستدام، فسيكتب الرّئيس الّذي رعاه، فصلاً جديداً في دبلوماسيّة القرن الحادي والعشرين.
وإن كتب له الفشل، فسيكون شاهداً على مدى هشاشة الحلول الكبرى عندما تُهمّش المخاوف المحليّة واللاعبين الإقليميّين.
بين الخطر والأمل، تقف شعوب المنطقة، ومعهم العالم عند مفترق طرق، سيحدّد ملامح الجغرافيا السياسيّة والاقتصاديّة للسنوات القادمة.