ثقافة دستورية لبنانيًا

بقلم د. أنطوان مسرّه

يخوض قانونيون، ولا نقول حقوقيين، ومن يعتبرون أنفسهم أخصائيين في علم الدستور والدستور اللبناني في تفسيرات وتأويلات وغالبًا سجالات حول الدستور والمواثيق وميثاق الطائف مع تجاهل قضيتين أساسيتين: البناء القومي التأسيسي بالمواثيق وأيضًا ما يرمونه في مزبلة مصطلح «الطائفية»، أي المواد الست: 9، 10، 19، 49، 65، 95.

إن تجاهل مختلف أنماط البناء القومي في النظرية الدستورية العالمية والمقارنة والتدابير المتعددة في الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافة في أكثر من ثلاثين من الدساتير في عالم اليوم يزعزع مجمل الشرعية الدستورية légitimité في الإدراك الجماعي اللبناني ويشرعن ممارسات وسلوكيات ومخادعات مع اجترار المقولة التالية: هذا هو «النظام الطائفي» أو «طالما أن النظام طائفيًا، نريد حصتنا»، والمقولات التالية: ميثاقية، وأحجام، وثلث، وتعطيل…!

إنها مقولات رائجة في خطاب السوق في لبنان مع لباس دستوري لا علاقة له لا بالنظرية الدستورية العالمية والمقارنة ولا بالأبحاث الجديّة والتطبيقية التي تشمل أكثر من ثلاثين دولة في عالم اليوم حيث يتم تطبيق المواد الموصوفة «بالطائفية» في سياق معايير حقوقية تتعلق بالنظرية الدستورية في التعددية الحقوقية، والإدارة الذاتية الحصرية، وقاعدة التمييز الإيجابي: pluralisme juridique, autonomie personnelle, discrimination positive. ماذا نعني بالثقافة الدستورية لبنانيًا؟

1. الشمولية: الحاجة إلى المقاربة الشمولية لمجمل مواد الدستور اللبناني بدون إدراج المواد الست في مزبلة «الطائفية» من منظور أيديولوجي لا علاقة له بالنظرية الدستورية العالمية والمقارنة في عالم اليوم.

2. التاريخية: إن البناء الدستوري اللبناني، خلافًا لمقولات الجمهورية الأولى والثانية والثالثة، يقوم على ثوابت دستورية واختبار تاريخي متراكم منذ القائمقاميتين والمتصرفية على الأقل توجزها أربعة مضامين للميثاق الوطني سنة 1943: عيش معًا مسيحي إسلامي، ضمان الحريات الدينية والثقافية، ضمان المشاركة الديمقراطية، عروبة مستقلة.

خلافًا لمقولة أحد الحقوقيين تكرارًا لسجال سائد في خطاب السوق: «إن ميثاق الطائف قلب الأمور رأسًا على عقب»، كرّس ميثاق الطائف ثوابت دستورية تُستخلص من الاختبار اللبناني بالذات بخاصة في مقدمة الدستور، وضمان الفصل بين السلطات وتوازنها، وموقع رئاسة الدولة (المادة 49) استنادًا إلى الاختبار اللبناني في عهد الرئيس فؤاد شهاب وغيره من رؤساء الدولة في أوضاع صعبة.

ليست مثاقفة الدستور اللبناني acculturation تبريرًا «للطائفية»، حسب كتابات أيديولوجيين في البناء القومي والعصرنة والقومية الانصهارية، وليست دفاعًا عن «الصيغة»، حسب نمطية ذهنية رائجة، وليست اطلاقًا تبريرًا لممارسات سائدة في «الطائفية» هي أساسًا مناقضة للمعايير الدنيا في حكم القانون. هذه المثاقفة هي المدخل بعد طول اختبار ومعاناة وكوارث، بخاصة منذ اتفاقية قاهرة متجدّدة في 6/2/2006، لترشيد الحوكمة الدستورية لبنانيًا ولجعل النظام الدستوري اللبناني قابلاً للحكم gouvernabilité، بخاصة بعد انتخاب رئيس جمهورية رئيسًا للدولة (المادة 49) وتأليف «حكومة طبيعية»، وليس برلمانًا مصغرًا، والسعي لاستعادة الدولة مع كامل وظائفها السيادية الأربع الملكية rex, regis, roi: احتكار القوة المنظمة أي جيش واحد لا جيشان، واحتكار العلاقات الدبلوماسية أي دبلوماسية واحدة لا دبلوماسيتان وانسجامًا مع مقدمة الدستور: لبنان عربي الهوية والانتماء، وإدارة المال العام من خلال فرض الضرائب وجبايتها، وإدارة السياسات العامة. يتطلب هذا المسار:

أ. تعليم القانون الدستوري: الحاجة إلى تعليم الدستور اللبناني بدون خلفية أيديولوجية في الحداثة والعصرنة انطلاقًا من نماذج رائجة في العلم الدستوري التقليدي وقبل البحوث العالمية المقارنة بخاصة منذ سبعينات القرن الماضي. إن الأبحاث العالمية المقارنة منذ السنوات 1970 والتي شاركنا في بعضها تمّ التعامل معها من قبل مؤلفين لبنانيين وأجانب مع اعتبارها عقيدة doctrine أو فلسفة أو نظرية (مثل ليبرالية واشتراكية وشيوعية…). إنها تصنيف classification typologie/ للأنظمة البرلمانية التعددية التي كانت تعتبر سابقًا فريدة من نوعها sui generis والتي يتوجب بعد هذا التصنيف المنهجي الانكباب على دراسة حالات في سبيل تحديد عوارضها المرضية وتلك الصحية واستكمال بناء نظرية متكاملة.

ب. التأريخ اللبناني: الحاجة إلى تأريخ علمي وواقعي في آن لمسار سياق الدسترة لبنانيًا ومنذ القائمقاميتين لأن الدستور اللبناني هو ثمرة اختبار تاريخي متدرّج منذ القائمقاميتين ولغاية ميثاق الطائف سنة 1989 وتعديلات 1990. يقول نابوليون: «الحكمة الحقيقية للأمم هي الاختبار».

ج. التربية: إن الدولة غائبة تمامًا في كتابة تاريخ لبنان لدى كل المؤرخين! أما الوثائق فهي متوفرة بكثافة بفضل هؤلاء المؤرخين بالذات ولكن قراءتها ليست من منطلق سياق نشوء الدولة في أنتروبولوجيا القانون والتاريخ والتي تليها مرحلة ثانية في الدسترة في سبيل خضوع الدولة للدستور.

ورد في «الإطار العام للتعليم ما قبل الجامعي» الذي أعلن في السراي الكبير في 15/12/2022 «مثاقفة الدولة» بخاصة من خلال تأريخ علمي وواقعي في آن وتربية مواطنية بانية للدولة أو دولنة المواطنية. تندرج مؤلفات حديثة لكرسي اليونسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف في سياق منهجي وتطبيقي.

اخترنا لك