الكيان المعلّق على ميثاقية غب الطلب

بقلم أنطونيو فرحات
@farhatantonio

يتجلّى من أحكام الدستور أن الميثاقية لم تذكر فيه إلا بالفقرة “ي” من مقدمته حيث نصت “أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. وتلك الفقرة هي مستمدة من روحية المادة 95 من الدستور التي أشارت إلى التمثيل الطائفي العادل على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين أكان في مجلس النواب أو في وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.

في حين أنه يتبدى من أحكام المادة 65 فقرة 5 من الدستور أنها نصت على آلية لاجتماع مجلس الوزراء وعلى كيفيّة تصويته إذا لم تتخد قراراته توافقيًا وما هي الاستثناءات التي تحتاج إلى أغلبية موصوفة للتصويت. ومتى تمت مراعاة تلك الآلية تعتبر تلك القرارات نافذة وصحيحة بغض النظر عن مفهوم الميثاقية. إذ إنه لا اجتهاد في معرض النص الواضح والصريح ولا يجوز تأويل الدستور ما لم يقله أو تحريفه لخدمات سياسية وتعطيل مقررات وطنية لمآرب فئوية حزبية، سيما أنه من الثابت والأكيد أنه لا يوجد نص دستوري صريح يوجب أن تكون قرارات مجلس الوزراء مرهونة أو مشروطة أو متسمة بالميثاقية كي تعتبر صحيحة.

غير أنه من الناحية السياسية والعرفية أصبحت الميثاقية شرطًا غير مكتوب لكنها في الوقت عينه عامل مؤثر جداً في عمل الحكومة، كيف لا والنظام في لبنان قائم على توازنات طائفية حسّاسة للغاية. بالتالي عندما يرفض فريق سياسي أساسي قراراً ما فإنه يطرح الميثاقية من منظور سياسي بحت لا دستوري، ويكون الهدف من طرحه هو إما لتعطيل أو لثني مجلس الوزراء عن اتخاذ قرار ما، أو قد يكون الهدف إلغاء قرار سبق للمجلس أن اتخذه. ويتزامن عادةً هذا الضغط مع تحريك شارع الحزب المعارض لتدعيم موقفه. الأمر الذي قد يؤدي إلى الانزلاق نحو تهديد السلم الأهلي.

يتجلى بما لا يقبل الشك أن الأنظمة الديمقراطية لا تحكم بالتوافق وبالتراضي وإنما من خلال اتخاذ قرارات بالأكثرية إذا تعذّر التوافق. وعليه لا يجوز للأقليّة المعارضة أن تفرض رأيها وهيمنتها وتسطو على مقررات أغلبية تعاكسها أو لا تشاطرها الرأي لأن فعلها بحد ذاته يكون غير ميثاقي وغير شرعي.

يستنتج مما سبق بيانه أن الميثاقية أصبحت معيارًا أساسيًا مؤثرًا في العمل السياسي وتستخدم كبديل لحق النقض ولا تستخدم للفلسفة الحقيقية ولا للغاية النبيلة من طرحها بأن جميع الطوائف في لبنان محمية تحت كنف الدولة الضامنة الوحيدة لجميع أبنائها والشرعية الوحيدة التي تراعي المصلحة العامة لا المصالح الفئوية الضيّقة والتي ترسم سياسة عامّة وطنيّة لا سياسة حزبية طائفية مع ارتباطات إقليمية.

سيبقى مفهوم الدولة يتعارض مع مفهوم الدويلة، وسيبقى الكيان مهزوزًا ما دامت الميثاقية مصطنعة وتستخدم غب الطلب لغير المفهوم الذي أعدت له.

اخترنا لك