بقلم بلال مهدي
@BilalMahdiii
لم تمر زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق علي لاريجاني إلى لبنان مرور الكرام، إذ تحوّلت سريعًا إلى حدث سياسي أثار الجدل، وكشف عن حجم الهوة بين الطموحات الإيرانية ومحاولة فرض أجندتها على الساحة اللبنانية، وبين إرادة شريحة واسعة من اللبنانيين المتمسّكين بسيادة دولتهم وقرارها الحر.
منذ لحظة وصوله، بدا المشهد مختلفًا عن زيارات المسؤولين الإيرانيين السابقة. فالاستقبال الشعبي على طريق المطار كان هزيلاً إلى حد الإحراج، ما عكس فتورًا واضحًا لدى الشارع اللبناني تجاه رسائل “الدعم” الإيرانية التي غالبًا ما تكون مغلّفة بمشاريع الهيمنة.
لقاءات متباينة في الشكل والمضمون
اجتماعان سلبيان مع الرئيسين جوزاف عون وتمّام سلام، عبّرا خلالهما عن رفضهما القاطع لأي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية، خاصة ما يتعلّق بقرارات الحكومة حول حصر السلاح بيد الدولة.
على النقيض، شهد لقاؤه مع الرئيس نبيه بري أجواء ودية وحميمة، أعادت إلى الأذهان التحالفات التقليدية بين طهران وبعض القوى اللبنانية.
لكن الصدمة الحقيقية بالنسبة للاريجاني جاءت من الموقف الحازم الذي سمعه من الرئيس نواف سلام، إذ واجهه بكلام عنيف وصريح، رافضًا سياسة فرض الأمر الواقع عبر ذراع “حزب الله” العسكري.
وفي موازاة هذه الزيارة، كان المشهد في الجنوب اللبناني يحمل رسائل معاكسة تمامًا، حيث جال رئيس الأركان في جيش العدو الإسرائيلي على الحدود، متوعدًا بعدم السماح بعودة التهديدات لتنمو من جديد، في إشارة واضحة إلى مراقبة أي تحركات مرتبطة بالتمدد الإيراني عبر لبنان.
مصدر دبلوماسي غربي في بيروت كشف بدوره أن مهمة لاريجاني لم تكن مجرّد زيارة بروتوكولية، بل جاءت لشحذ عزيمة “حزب الله” وتشجيعه على رفض الامتثال لقرارات الحكومة اللبنانية، خصوصًا تلك المتعلقة بضبط السلاح خارج الشرعية.
إن ما جرى خلال هذه الزيارة يكتسب أهمية مضاعفة، إذ يعكس وعيًا سياسيًا لبنانيًا آخذًا في التبلور ضد محاولات طهران جرّ البلاد مجددًا إلى أتون مشاريعها الإقليمية. وفي هذا السياق، يبقى التمني الأكبر أن يُبعد شبح الموت الإيراني عن لبنان، وألا تعود أذرع إيران بكواتم الصوت لتحصد أرواح الأحرار اللبنانيين كما فعلت في مراحل سابقة.
لبنان يستحق حياة آمنة وسيادة كاملة، لا أن يكون ساحة صراع لتصفية الحسابات، أو منصة لتثبيت النفوذ الأجنبي على حساب دماء شعبه.