بقلم بلال مهدي
@BilalMahdiii
شهد لبنان مؤخرا سلسلة تطورات سياسية وأمنية غير مسبوقة، شكّلت منعطفًا حاسمًا في مسار الصراع على سيادة الدولة واحتكارها للسلاح. فقد أقرّت الحكومة، في خطوة تاريخية، تكليف الجيش اللبناني إعداد خطة شاملة لنزع السلاح غير الشرعي من يد “حزب الله”، مع إلزام جميع القوى المسلحة خارج إطار المؤسسات الرسمية بتسليم أسلحتها للدولة قبل نهاية عام 2025. القرار جاء وسط ضغوط دولية وإقليمية متزايدة، خصوصًا من الدول الخليجية والدول المانحة، التي ربطت دعمها للبنان بمدى قدرته على فرض سيادة القانون وتطبيق القرارات الدولية.
رد “حزب الله” لم يتأخر، إذ شن الأمين العام نعيم قاسم هجومًا لاذعًا على الحكومة، واعتبر أن المسار نحو نزع السلاح يتقاطع مع مصالح العدو “الإسرائيلي”، محذرًا من أن مواجهة الدولة للحزب ستدفع البلاد نحو “حرب أهلية” وتفتح الباب أمام انهيار شامل، بل ملوحًا بتحركات شعبية واعتصامات قد تستهدف حتى السفارة الأميركية في بيروت.
هذا التصعيد الكلامي ترافق مع موقف صارم من رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي أكد خلال لقائه المسؤول الإيراني علي لاريجاني أن السلاح هو حكر حصري بيد الدولة، وأن أي تدخل خارجي أو دعم لمجموعات مسلحة خارج سلطة المؤسسات مرفوض تمامًا.
وفي الجنوب، تحولت مهمة تفكيك مستودعات أسلحة تابعة لـ”حزب الله” في وادي زبقين إلى مأساة وطنية، بعدما انفجرت مخازن ذخيرة خلال عمل فرق الهندسة في الجيش اللبناني، ما أدى إلى استشهاد ستة عسكريين وإصابة عدد آخر بجروح. هذا الحادث كشف حجم المخاطر الميدانية المرتبطة بمحاولة إنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي، وأعاد إلى الأذهان كلفة المواجهة مع البنى العسكرية الموازية للدولة.
على خط موازٍ، اتخذت الحكومة قرارًا استراتيجيًا بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الهجرة الدولي، يقضي ببدء إعادة ما بين 200 ألف و400 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم بشكل منظم وعلى دفعات تبدأ هذا الشهر، في خطوة تهدف لتخفيف العبء الاقتصادي والمالي عن لبنان وإعادة التوازن الديموغرافي في ظل الأزمة الخانقة.
هذه التطورات، بكل ما تحمله من رسائل سياسية وأمنية، تؤكد أن لبنان يعيش مرحلة كسر توازنات تاريخية فرضتها عقود من الحروب بالوكالة وازدواجية القرار السيادي. ما جرى هذا الأسبوع يعكس إرادة واضحة لدى الدولة، ولو ببطء، لاستعادة سلطتها على الأرض، وحصر السلاح بيد مؤسساتها، ورفض الانزلاق مجددًا في لعبة المحاور الخارجية. لكن الطريق نحو تحقيق ذلك محفوف بالمخاطر، فالمواجهة مع منظومة السلاح الممسوكة إقليميًا ليست معركة آنية، بل اختبار طويل لقدرة الدولة على الصمود أمام التهديدات والابتزاز السياسي والأمني، وعلى انتزاع لبنان من براثن الصراعات العابرة للحدود.