بقلم أمل شموني
مع اقتراب موعد تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان “اليونيفيل” بنهاية آب 2025، تتزايد الجهود الدبلوماسية اللبنانية والأميركية والفرنسية لبلورة مستقبل البعثة الدولية في لبنان في ظل انقسام في الآراء بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. فالشهر الجاري يتسم بمنعطف حاسم بالمفاوضات الأمنية الجارية، ونزع سلاح “حزب الله”، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان المبرم في تشرين الثاني 2024. وقد وضعت المناقشات السياسية والدبلوماسية والعسكرية الأخيرة “اليونيفيل” في صميم هذه الجهود، مع التركيز على هدف تمديد ولاية القوة الدولية. وقد تولت فرنسا صياغة مقترح يهدف إلى ضمان استمرارية مهمة “اليونيفيل”، والحفاظ على ميزانيتها ومستويات قواتها، مع توسيع نطاق عملياتها.
ويسعى المقترح الفرنسي إلى تظهير وجود “اليونيفيل” من خلال التأكيد على دور الحكومة اللبنانية الضامن والحصري للأمن في جنوب لبنان، مشترطًا ضرورة أن تبسط بيروت سيطرتها على كامل أراضيها. ومع ذلك، أثار العديد من الخبراء الأميركيين المخاوف بسبب الخشية من إعطاء جرعة تعزيزية لـ “حزب الله” ولو عن غير قصد. فلغة القرار “تُخاطر بحماية “حزب الله” من أي إجراءات دولية أقوى، ما يُديم فعليًا الوضع الراهن الذي يُفيد الحزب”.
وبحسب مصدر قريب من الخارجية الأميركية فإن الهدف من وجود “اليونيفيل” هو تمكين الحكومة اللبنانية، إلا أن واشنطن تعتبر أن “اليونيفيل” فشلت في كبح الوجود العسكري لـ “حزب الله” بشكل ملحوظ. وقد شدد على أن الشعور السائد في واشنطن ينحو إلى ضرورة إنهاء مهمة “اليونيفيل”، وتحمّل الجيش اللبناني المسؤولية الكاملة عن الأمن – عاجلًا وليس آجلًا. ويكشف هذا النقاش الجاري حول التجديد عن انقسام حاد بين واشنطن والعواصم الأوروبية لا سيما باريس.
وتدعو الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إنهاء مهمة “اليونيفيل” في غضون عام، فيما تصطدمان بمعارضة من عواصم أوروبية، ورغبة لبنانية قوية تشدد على أهمية وجود هذه القوة للاستقرار الإقليمي، في ظل سعي حثيث للحفاظ على شروط التفويض الحالية. ففي حين لعبت “اليونيفيل” دورًا هامًا في مساعدة الجيش اللبناني في بعض جهود نزع السلاح، لا سيما في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، لا تزال هناك مخاوف. فالعديد من الخبراء العسكريين في واشنطن يعتبرون أنه بدون تغيير جوهري في تفويض “اليونيفيل” – مثل السماح بعمليات تفتيش ودوريات مستقلة – فإن القرار المقترح قد لا يُعيق قدرات “حزب الله”، لا بل ستكون نتيجته استمرار وجود “حزب الله”.
وتشير المصادر الدبلوماسية إلى أن المناقشات الأخيرة في باريس تمحورت حول تأكيد التزامات فرنسا والولايات المتحدة تعزيز قدرة الجيش اللبناني على السيطرة الأمنية الكاملة للتمكن من الحفاظ على الاستقرار وردع “حزب الله”. ومع ذلك، يشير خبراء أميركيون في شؤون الشرق الأوسط إلى أن “التوازن في لبنان هش. وتهديد مصالح “حزب الله” قد يؤدي إلى زيادة التوتر”.
ويشجع القرار المقترح إسرائيل على الانسحاب من مواقعها المتبقية، على أمل أن يُخفف نقل المسؤوليات الأمنية بالكامل إلى الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” من حدة المواجهات المباشرة مع “حزب الله”. ومع ذلك، يُحذر المنتقدون من أن هذا النهج لا يفرض قيودًا على “حزب الله”. ولاحظ محللون أن “غياب الرقابة الصارمة يُعطي “حزب الله” الضوء الأخضر للعودة إلى مواصلة تعزيزه العسكري، ما يُعرّض المنطقة لخطر صراعات مستقبلية”. وفي حين أن هدف القرار هو تعزيز الدعم الدولي لجيش لبناني قادر على فرض ضبط الأسلحة ضد “حزب الله”، إلا أن نجاحه يتوقف على إصلاحات ملموسة داخل الجيش اللبناني واستعداد حقيقي من السلطات اللبنانية للتعاون. وقد أشار مصدر دبلوماسي إلى أن “القرار الفرنسي المقترح يعكس انقسامًا متزايدًا بين القوى الكبرى حول كيفية إدارة أهداف حفظ السلام على النحو الأمثل”.
ويقول دبلوماسيون مطلعون على المقترح الفرنسي إنه قد يكون مصممًا لدعم سيادة لبنان واستقراره، إلا أنه قد يعزز وجود “حزب الله” ويعطيه حرية في العمل في الجنوب تحديدًا ما لم يصاحبه تطبيق ورقابة صارمان. فمشروع القرار يحافظ على استقرار موقت، لكنه يخاطر بإدامة تحديات أمنية أعمق ما لم تُسن تغييرات جوهرية على قواعد الاشتباك الخاصة بـ “اليونيفيل” من جهة وضبط الأسلحة المتفلتة محليًا من جهة أخرى. وفيما يُركز مشروع القرار بشكل أكبر على مطالبة إسرائيل بالانسحاب من مواقع في جنوب لبنان، ويندد بالضربات الإسرائيلية، إلا أنه لا يتضمن خطوات ملموسة لتفكيك الوجود العسكري لـ”حزب الله”. يُنظر إلى هذا الخطاب على “أنه يمنح “حزب الله” مساحة للتنفس ويصرف ضغط التنفيذ عنه”.
ويجادل المنتقدون بأن “اليونيفيل” المنتشرة كقوة حفظ سلام منذ عام 1978، ظلت غير فعّالة لمدة 47 عامًا، إذ فشلت في منع الصراعات بين إسرائيل والميليشيات اللبنانية على الرغم من ميزانيتها الضخمة البالغة 500 مليون دولار سنويًا. لم تشارك القوة، التي ازداد عدد جنودها عام 2006، في أي عمليات عسكرية جادة ضد “حزب الله”، بل غالبًا ما كانت تتراجع عند مواجهته رغم أن تفويضها يتضمن صراحةً عرقلة الفصائل المسلحة غير الحكومية العاملة ضمن نطاق منطقة تفويضها. ويشدد مراقبون أميركيون على أن “اليونيفيل راقبت بسلبية تحوّل “حزب الله” إلى أحد أبرز الجهات الفاعلة غير الحكومية تسليحًا في العالم، حيث عزز تحت أنظار قواتها ترسانته وأنشأ بنية تحتية عسكرية، بما في ذلك الأنفاق ومخزونات الصواريخ”. من هنا يعتبر المنتقدون أنه في حين أن الهدف المعلن للقرار هو سيطرة الحكومة اللبنانية الكاملة على الأمن في جنوب لبنان، إلا أن هذا لا يعكس الواقع الحالي “حيث يحتفظ “حزب الله” بقوة عسكرية وسياسية كبيرة ولا يزال من دون رقابة فعّالة”.